لله الذي ظفرك واقر عينك من عدوك وأراك ثأرك بعينك). وقد جرحت اثني عشر جرحا وهي لا تعنى حتى ضربها ابن قمئة ضربة غائرة في عنقها، فنادى رسول الله (عمارة أمك! أمك، اعصب جرحها بارك الله عليكم من أهل البيت، مقام أمك خير من مقام فلان وفلان) فلما سمعته قالت (ادع الله أن نرافقك في الجنة) فقال (اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة) فقالت (ما أبالي ما أصابني في الدنيا).
ولنستمع إليها تحدثنا عن بلائها ذلك اليوم:(قالت خرجت أول النهار وأنا انظر ما يصنع الناس ومعي سقاء فيه ماء فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أصحابه والدولة والريح للمسلمين، فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقمت أباشر القتال عنه بالسيف وارمي عن القوس حتى خلصت الجراح إلي) قالت راوية الحديث فرأيت على عاتقها جرحا أجوف له غور فقلت من أصابك بهذا؟ قالت (ابن قمئة أقمأه الله لما ولى الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اقبل يقول دلوني على محمد فلا نجوت إن نجا، فاعترضت له أنا ومصعب بن عمير وأناس من ثبت مع رسول الله فضربني بهذه الضربة ولقد ضربته ضربات ولكن عدو الله كانت له درعان).
وهناك موقف آخر من مواقف بطولتها الخالدة يوم خرج خالد بن الوليد في جيش فيه ولداها لقتال مسيلمة الحنفي. فأسر مسيلمة ابنها حبيبا فعذبه وأراد فتنته عن دينه، ولكن أنى لهذا الشهم الكريم سلسل تلك السيدة الكريمة الباسلة التي غرست فيه الشمم وقوة الإيمان يوم إن أرضعته. أنى له أن يفتن في دينه أو يصبأ عن عقيدته.
روى ابن هشام في السير ما نص (. . . وابنها حبيب الذي أخذه مسيلمة صاحب اليمامة فجعل يقول له أتشهد أن محمدا رسول الله فيقول نعم، فيقول أفتشهد إني رسول الله فيقول له اسمع فجعليقطع منه عضواً عضواً حتى مات في يده لا يزيد على ذلك: إذا ذكر رسول الله آمن به وصلى عليه، وإذا ذكر مسيلمة قال له اسمع، فلما بلغها هذا خرجت إلى اليمامة مع المسلمين فباشرت الحرب بنفسها حتى قتل الله مسيلمة ورجعت وبها اثنا عشر جرحاً ما بين طعنة وضربة).
هذه هي نسيبة بنت كعب التي كانت مثلا عاليا في التضحية والإقدام، والبسالة والنبل. على أنها ما كانت لتقتصر على هذا فقد كان لها نصيب وافر من العلم فقد روت عن النبي