للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الخيال.

وفي هذا الفصل يلتقي العقاد والدكتور في بعض المواضع، وإن سار كل منهما على طريقته وطبيعته في النظر إلى الأشياء، وفي الحديث عن هذه الأشياء

ثم ينشئ فصلاً عن صناعة عمر ابن أبي ربيعة فنعلم منه أن عمر كان إمام مدرسة في طريقته، ولكنه لم يكن إماما في صناعته؛ فهو يمثل الطريقة أكمل تمثيل، وإن لم يساعفه حسن الأداء وكمال الأداة (فالأكثر من شعره يبدو عليه الجهد والإعياء في تقويم البيت والوصول به إلى القافية) وليس هو من فحول الصناعة الذين (ربما كثر الرديء في أشعارهم وأربى على الجيد في معظم الأحيان؛ ولكن الإتيان بالرديء غير الإعياء الذي يكشف مدى الطاقة وينم على الفاقة)

وبمثل هذه النصاعة يمضي إلى نهاية الكتاب، فيفرق بين القصة وبين الحوار القصصي الذي عرف به عمر، ويلقى أشعة أخرى على طبيعة المحب وطبيعة المتغزل وعلى الصدق الفني والصدق الخلقي والتاريخي. ثم يتحدث عن ذوق عمر في جمال المرأة، فإذا هذا كله دراسة من أبرع الدراسات النفسية في إطار فني جميل، وإذا هي خلاصات من تجارب العقاد وحياته الفنية وذوقه الإنساني. ثم يعقد فصلاً لنوادر عمر وأخباره، وفصلاً لمختارات من شعره، يشترك كلاهما في تلوين صورة الشاعر وتوضيح سماتها، وإطلاق الأبخرة المناسبة في جوها، حتى تكتمل لها جميع عناصر الحياة!

أحب أن يقرأ الناس هذا الكتاب للعقاد، وأن يقرءوا معه (حديث الأربعاء) للدكتور طه حسين، فسيجدون فيهما طبيعتين وطريقتين: طبيعة التعمق وطبيعة الاستعراض؛ وطريقة التحليل وطريقة التصوير. وسيرون كلا من هاتين الطبيعتين والطريقتين تلازم صاحبها في كل ما يكتب، فهي أصيلة في خلقهما أصالتهما في فنهما، وإن كان لكل منهما وزنه الذي لا يتسع المجال له هنا، بقدر ما أرجو أن يتسع له في كتاب!

سيد قطب

<<  <  ج:
ص:  >  >>