للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والحديث، وبين أشباه عمر وبين النساء في جميع العصور. فهو يقول:

(وربما رشحه للسبق في هذه الصناعة جانب أنثوي في طبعه يظهر للقارئ من أبياته الكثيرة التي تنم على ولع بكلمات النساء واستمتاع بروايتها والإبداء والإعادة فيها، مما لا يستمرئه الرجل الصارم الرجولة. وأدل من ولعه بكلمات النساء على الجانب الأنثوي في طبعه أنه كان يشبههن في تدليل نفسه وإظهار التمنع لطالباته. . . (ثم يذكر الأمثال)

(ولعل جانب الأنوثة فيه لا يظهر من شيء كما يظهر من تدليل اسمه بين تلقيب وكناية وتسمية كما يعهد في أحاديث النساء؛ فهو تارة أبو الخطاب، وتارة المغيريّ، وتارة عمر الذي لا يخفى كما لا يخفى القمر، وأشباه هذه الأنثويات التي يقارب بها المرأة في المزاج ويسايرها في الحديث)

(إنما تأتي خبرة ظرفاء المجالس من تقارب الإحساس بين المرأة وبين هذه الطائفة من اللاهين والمتغزلين، فهم يحسون كما تحس أو على نحو قريب مما تحس، وهم يشبهونها بعض الشبه فيصدقون في الحكاية عنها، والتحدث بخوالج نفسها. وفرق بعيد بين هذا وبين الرجل الذي يعلم طبع المرأة وهو يخالفها في طبعها، ويستجيش ضمائرها، لأن هذه الضمائر تجاوبه مجاوبة الأنثى للذكر، فيعرف من مجاوبتها كيف تضطرب نفسها وتتقلب هواجسها وخواطرها. هذا يرى أثر الرجل في طبع المرأة فيعرفه، وذاك يعرف ما في طبعها لأن الطبعين غير مختلفين في جملة الشعور). الخ

فهذا كلام جديد، وكلام قيم، وكلام يفتح العين والنفس على ملاحظة مفيدة للملامح والسمات في النفوس الإنسانية الكثيرة التي تصادفنا في الحياة، والنفوس الإنسانية الكثيرة التي نلقاها في صفحات الكتب، لنجد في هذه الملاحظة لذة وأنساً وحياة

وأحب مرة أخرى أن يرجع القارئ هنا إلى الجزء الأول من (حديث الأربعاء) ص٣٩٤ ليجد في هذا الموضوع كلاماً آخر تلذ الموازنة بينه وبين هذا الكلام.

وينتهي هذا الفصل بحديث عن الصدق الفني: ما معناه وما حدوده، فيبين أوضح بيان أنه شيء آخر غير الصدق الخلفي والصدق التاريخي قد يلتقي معهما وقد لا يلتقي. وأنه في صميمه هو صدق الحكاية عن (المزاج الخاص) الذي لا يتوب عنه صاحبه ولا يملك الانحراف عنه ولو تاب عن دفعاته وملابساته، ولو انحرف عن حكاية الواقع إلى حكاية

<<  <  ج:
ص:  >  >>