للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ببعض: (حافظ والمنفلوطي وعبد المطلب) في هذا المجهود! فترى الأخير يصف أسرة يتيمة بقطع من نفسه، وذوب من فؤاده، في قصيدته العصماء التي استهلها بقوله:

أسألت باكية الدياجي ما لها ... أرقت فأرقت النجوم حيالها

باتت تكفكف بالوقار مدامعها ... غلب الأسى عبراتها فأسالها

وفيها يقول:

ببعض: (حافظ والمنفلوطي وعبد المطلب) في هذا المجهود! فترى الأخير يصف أسرة يتيمة بقطع من نفسه، وذوب من فؤاده، في قصيدته العصماء التي استهلها بقوله:

أسألت باكية الدياجي ما لها ... أرقت فأرقت النجوم حيالها

باتت تكفكف بالوقار مدامعها ... غلب الأسى عبراتها فأسالها

وفيها يقول:

حتى إذا رقد الأسى بجفونها ... وهفا النعاس برأسها فأمالها

خلب الطوى أحشاءها فتفزعت ... حيرى تعاني سهدها وملالها

وله وطنيات حارة، ووصف رائع لمشاهد القومية المصرية، وله علويته المشهورة التي أنشدها على (جمل) متشبهاً بالشعراء في (عكاظ).

والشاعر على ما أعتقد ليس إنتاجاً من قصائد عريضة طويلة، تطن بالرصانة، وترن بجودة السبك والإيجاد، وإنما هو نفس قبل كل شيء، وشعور يصدق فيما يحس أو يشاهد، شعور يمتزج بالمظاهر فيصير جزءاً منها أو تصير هي مزيجاً منه، لا يتخللها التفريق، ولا تحتوي هذه المواهب إلا النفوس الممتازة التي لا تتفتح في دائرة ضيقة محدودة، ولا تحيط في نظرها السطحي من الكائنات. وعبد المطلب كان هذه النفس التي تضيق بما فيها من عوالم تائهة، فتنبعث على الكون طائفة سابحة، تستشعر ما فيه من جمال فتطرب، وتحس ما فيه من آلام فتألم؛ نفس خلقت لغيرها فنال منها كل شيء، وهي لم تنل من شيء أي شيء؛ وروح قسمته العاطفة، ومزقته الرحمة، فراح يوزع فيه كأنه نهب مستباح، وهو إلى ذلك مطمئن الخاطر هادئ البال. . . وإنه شخصية ممتازة في جوهرها، قبل أن تكون ممتازة في شعرها وصنعتها؛ وكم من قائل إن عبد المطلب قديم في شعره، قديم في عاطفته، جاهلي في جميع نواحيه؛ ولست أدري كيف تكون العاطفة قديمة، وهي شعور إنساني لا يتغير في ذاته وجوهره، وإن تغير في اتجاهاته وميوله، فالشعور الذي يتجه إلى الألم فيستعذبه، وإلى الدمع فيسكبه، هو الشعور الذي تطربه المسرات، ويثمله النعيم، إلا أن انفعالات الشعور الأول من نوع فاتر حزين، وانفعالات الشعور الثاني من نوع متفتح مرح، وكلا الشعورين له قيمته وخطره؛ فالشعور بالألم يكون معظم عناصر الحياة، كما أن الشعور بالنعيم يمس طبيعتها الأولى وحقيقتها الواقعة، وهما شعوران تخلقهما في النفوس

<<  <  ج:
ص:  >  >>