صاحبه في النهار؟ فقال: هذا واجب أقوم به، فشكرت له أدبه وتفضله. ورأيته في هذه الزيارة الليلية يحمل نبوتاً أطول منه وفانوساً صغيراً، ويلبس في رجليه قبقاباً عالياً. فسألته بأدب: لم يلبس القبقاب والوقت صيف؟ فأجابني بما معناه: إن دبابات الأرض كثيرة، ولا يأمن الساري في الليل من شرها، فلكي يكون بمأمن من قرصها يحمل هذا المصباح يستصبح به عله يراها قبل أن تصل إليه؛ فإذا اقتربت منه ضربها بالعصا، وإذا حاولت الصعود إليه تعذر عليها الصعود إذ يقتلها قبل أن تصل إلى رجله، وكان في قوله جاداً، وكان جداً كله، وهذا وجه لطافته.
ومن جملة جدِّه أنه كان يعتقد أنه يعيش العمر الطبيعي، والعمر الطبيعي عنده مائة وخمس وثلاثون سنة، أو مائة وأربعون لا أدري، ولما كان هو على غاية من التقوى ولم يسيء استعمال قوته قط، فإنه بالغ بحول الله هذا العمر لا محالة. أما هو فعاش في هذا الأمل اللطيف نحو تسعين سنة. ومن أخبار جدّه، وهو معتقد بما يقول ويفعل ما حدث له مرة، وهو يتنزه على شاطئ البحر مع صاحبه الشيخ طاهر، وقد لحق بهما أحد الطلبة، وكان هذا لا يخلو من جذب على ما يظهر. وبعد مضي أربع ساعات على اجتماعه إليهما ألتفت إلى الدكتور وقال له: يا سيدي الدكتور أرجو ألا يكون في حضوري ما ينغص عليك خلوتك إلى الشيخ. فأجابه الدكتور بدون توقف: يا بني نحن لم نحس أنك معنا، وأنا في شاغل عنك، نحن الآن ندبر أمر ثلاثمائة مليون من المسلمين، وهكذا كان وما شاء الله كان.