الملوك والحكام وصفاً دقيقاً، فيقول عن العاهل الجليل:(إنه يعرف كيف يأسر القلوب ويملكها) ويصف القاضي العادل بقوله: (إنه يسلك مناهج الاستقامة ونزاهة القلب). وبألفاظ قليلة منتقاة كان يجلي لنا الحاكم المحبوب المترفق، والقاضي الحكيم المنصف. وإذا عرج على الحياة وألوانها ألفيناه يصف الشباب ولذاته، والمشيب وحسراته، والهرم ومرارته، كل ذلك بأسلوب سهل وإيجاز مبين، لا أثر فيه للصناعة الأدبية المتكلفة فكان فنه الفن الصحيح. وكان من مميزات هذا الأسلوب الموجز الممتع، ما حملته ألفاظه من صور ومقدمات معنوية كانت في الأدب المصري القديم روح المجاز المرسل وعنصر الكتابة البليغة، ويمكننا أن نقتبس أمثلة لذلك كقولهم:(المطيع يطاع!) و (الجاهل حي ميت) وهكذا كانت الجملة القصيرة في الأدب المصري تفرغ في مثل هذا القالب من البساطة وانسجام التفكير ودقة السبك. ومعلوم أن الجملة القصيرة الصحيحة تلخص فكرة العقل القوي الحصيف لأن الإيجاز في الإفهام ممدوح مستحب. ولقد كان الأسلاف يكرهون الإسهاب المخل. والإطناب الممل، فتراهم يجنحون دائماً إلى قرب المجتني، ويعتقدون أن خير الكلام ما قل وجل، ودل ولم يمل، وكانوا في حياتهم اليومية يشمئزون من الثرثار ويعدون الثرثرة مما ينافي عقيدتهم الدينية في اشرف المواهب، واعتاد من يقف منهم في محكمة العدل والدينونة، أمام قضاة (العالم السفلي) في دار الآخرة أن يقول: (أشهد أني لم أكثر من الكلام في حياتي ولم أسترسل فيه بإطناب تمجه الأذان) وكانوا يحبون تنميق اللفظ وزخرفته ولكنهم أجادوا تنقيحه ووفقوا فيه توفيقاً عجيباً دون أن يداخله التعمل. وكذلك كانوا لا يطاولون في دقة التشبيه. والحق أنهم كانوا يرتفعون إلى اجمل سماواتها وأعلاها كلما التمسوها من الطبيعة. وبين أن التفوق في تقريب المثال، دليل القدرة على بعد المنال، والتعميم والإطلاق في رسم الحقائق الناصعة رسماً صادقاً، وعنوان البراعة في الموازنة العقلية والمقارنة الذهنية، بل أنه مجلي الحماسة والحرارة والإخلاص للفن ومعرض العاطفة العميقة الصحيحة التي تفنن الألباب بصحتها وقوتها. مثال ذلك تشبيه الملك رمسيس الثاني (بأسد ظافر يضرب بمخلبه ولا يدبر، يزأر ويزمجر بصوت هائل في وادي الظباء. . .) أو قولهم فيه: (أنه يشبه ابن آوى في سرعة خطاه وسعيه لاقتناص ما يجده والانقضاض عليه كالبرق الخاطف).