وكانت التعبيرات المتجافية الوعرة، والكلمات الغثة المثقلة بالاستعارات الرثة والتوريات المتنافرة، والمترادفات المتقعرة الفجة والمحسنات اللفظية الجوفاء من الأخطاء التي يجهلها المؤلف المصري الذي كان يميل في أسلوبه ولغته إلى الوضوح دون أن يتسامح في لفظة واحدة تطن بلا معنى وبلا غرض. . . وكان آية في الجلاء والأحكام حين يروي حديثاً أو يدون حادثاً، ولعل ذلك راجع إلى سلامة طبعه، واستقامة خلقه، وتمسكه بالصدق، ومقته للمبالغة والغلو، ولم تكن تأليفه صادرة بحال من الأحوال عن انحطاط في التخيل، أو قصور في التصور، أو عجز عن عمق التفكير، لأننا حين نطالع سيرة عظيم من العظماء من خلال منظار الحقيقة، ثم نعمد إلى قراءة الشخصيات البارزة في أقاصيص أولئك المؤلفين ومن جعلوا أبطالاً لها كما ابتكرتها تصوراتهم الخصبة واخترعتها عبقريتهم المبدعة، نرى تخيلاً سامياً معتدلاً رصيناً، يحدوه العقل الراجح، ليطابق الواقع المعقول، ويمنح تلك الشخصيات سحنة جميلة، تدب فيها الحياة الناشطة، فتراها متجسدة حيالنا، لا أشباحاً ضعيفة لا كيان لها ولا جسم. . .
وفي هذا العالم الأدبي العجيب، الذي كان يعنى بالأنواع والنماذج التي يكثر أشباهها في الحياة اليومية، نرى مواطن الشبه الموجودة بين كل فروع الأدب القصصي المصري القديم، وبين القصص التي يتحفنا بها المؤلفون المجيدون في القرن العشرين من اتباع المذهب الواقعي. وتزداد إيماناً بأن عقول أهل الأجيال السالفة لم تكن دون عقول أبناء العصور الحديثة. هذا ولعلنا واجدون في قصة (سانيهات) - ابن الجميزة - صورة أمينة واضحة للحياة والعادات القديمة. ولا يبعد أن هذا الاسم قد أطلق على بطل القصة لكونه عاش حيث توجد شجرة من أشجار الجميز المقدسة التي اشتهرت بها مصر منذ القدم، ولا سيما أن الاسم (سانيهات) معناه (ابن الجميزة) ونحن نرى في موضوع القصة ما كتبه سانيهات هذا عما شاهده في مغامراته أثناء تنقلاته ورحلاته في جنوب شرقي فلسطين. وإني كمصرية يسرني أن اذكر بلسان الإعظام والاكبار، هذا الدليل الذي تقيمه القصة على أن المصريين قد سبقوا ماركوبولو وكولمبس وفاسكودي جاما وماجلان وغيرهم من كبار المستكشفين إلى ارتياد المجاهل، وانهم قد كتبوا قصص هذا الارتياد بيد أجادت نقل ما انطبع في الذهن من صور المرئيات والحوادث بخاصة عجيبة وقوة انتباه فائقة. وقد