وصف سانيهات هذه الأصقاع التي رآها وصفاً بارعاً، ورسم الحياة الاجتماعية لسكانها، ومثل أخلاقهم وعاداتهم ونزعاتهم وميولهم اكمل تمثيل واظهر بعد عودته إلى مصر، الفرق العظيم بين حضارة بلاده والحياة البدائية الخشنة التي كان يحياها أولئك القوم. . . وسانيهات هو هذا (الأمير الملكي وحامل خاتم الملك، والصديق المخلص، وأمين شؤون الاجانب، هو المحبوب الملكي التابع للمقام الأسمى) وقد فر من مصر حالما سمع بوفاة الملك امينمعهت الأول مؤسس الأسرة الثانية عشرة، أي قبل الميلاد بألفي سنة. وهو لا يحدثنا في القصة عن هروبه، ولكننا نرجح أنه هرب لأنه كان أحد أبناء الملك من أم لا يجري في عروقها دم الفراعنة ولذلك لا يقدر أن يرث عرش أبيه والى جانبه (أوسرتسن) الابن (الملكي للفرعون) فهو يخشى أن يقتله الفرعون الجديد حتى لا يكون له من ينازعه العرش وينافسه فيه، ويشجعنا على التمسك بهذا التعليل ما جاء في سياق القصة، من اللهج بالإكرام الذي صادفه سانيهات من أفراد البيت المالك عند أوبته من ديار الغربة. ومعلوم أن الفراعنة كانوا شديدي التمسك بعصبيتهم، عظيمي التعلق بأقاربهم فلا يقربون منهم غير كريم النسبة. . .
نعود إلى حديثنا الأول فنقول: أن سانيهات يذكر أنه ولى هارباً من مصر في الليل، وكان (يختبئ في الأدغال نهاراً لئلا يراه أحد من الجيش المرابط على الحدود) وبعد صعوبات جمة ومخاطر عدة وصل إلى سلسلة الحصون التي أقيمت لصد غارات الأعداء على الحدود، وجاوزها في دياجير الظلام، وأنه حين شارف (البحيرات المرة) خارت قوته (وشعر بظمأ شديد، وجف ريقه، وضاقت أنفاسه) فقال في نفسه: هذا نذير الموت. ولكن ثغاء الماشية كان يتطرق إلى سمعه فينعشه وينفخ فيه روح القوة ويطمئنه فيواصل سيره إلى أن يصادفه زعيم إحدى القبائل، فيعطيه (ماء ولبناً مغليا) ويخبرنا بعد ذلك أن كل قبيلة من القبائل العائشة في تلك الأقاليم كانت تكرم مثواه وتستضيفه بدورها، حتى حط رحاله في أرض (أيدوم) حيث أقام سنة ونصف سنة، وإن أمير (تنو) التي زرتها منذ أعوام في جنوب شرقي فلسطين وتقع بين الخليل وبيت جبرين، قد ارسل إليه ودعاه إلى الإقامة عنده. ويحسن بي أن أتقل هنا ما ذكره سانيهات من حسن معاملة ذلك الأمير بقوله: (ومنحني اختيار ما أريده من الأرض حتى تلك الأرض التي كان يملكها في الخارج وهي