فإذا بدأ السائل اليوم بأيهما؟ أوشكت أن أجيب (كلاهما) قبل أن يتم السؤال
سألني بعضهم مازحاً وقد سمع مني هذا الرأي: وأيهما على هذا القياس أفضل: البصر أم العمى؟
قلت: وحتى هذا
نعم حتى هذا لا استثناء فيه، لأن العمى هو انعدام البصر وليس هو ملكة تقابله المناظرة والمشاكلة. فعلى هذا الاعتبار يمكن أن يقال إن احتجاب النظر في بعض الأحوال خير من النظر في تلك الأحوال. ومنها النوم والراحة والإعراض عن القبح والشناعة وما لا يستحب النظر إليه في جميع الأحوال، وليس لأحد أن يقول حتى في جواب هذا السؤال إن النظر خير من عدم النظر في جمع الأحوال
ألم يفعل المعري في هذا المعنى فقال:
قالوا العمى منظر قبيح ... قلت بنقدي لكم يهون
والله ما في الوجود شئ ... تأسى على فقده العيون
فإذا أردنا الإنصاف قلنا: بل في الوجود شيء تأسى على فقده العيون، وفي الوجود شيء لا تأسى على فقده العيون
و (كلاهما) ثم تفصيل جواب صالح لكل (أيهما) على هذا الاعتبار.