التلميذ يوم أفاضل كل أسبوع بين العلم والجهل أو بين الحرب والسلم أو بين المال والجمال أو بين الصيف والشتاء، أو بين القوة والمعرفة، أو بين أولي الأشياء أحياناً بالتفضيل وأولاها أحياناً بالتهجين والإنكار
وذكرت كيف كنت أختار في كثير من الأحيان أضعف الشيئين لأجتهد في تمييزه والذود عنه، ففضلت الجهل على العلم مرة وفضلت الحرب على السلم أُخرى، وناقشت في ذلك أساتذتي وأناساً من كبار الزوار وأئمة العقول في الديار المصرية
ثم عدت أراجع اليوم موقفي من أمثال ذلك السؤال، وأعني به كل سؤال يبتدئ بأيهما ويرمي إلى تغليب شيء على شيء كل التغليب
أصبحت أعتقد أنه سؤال لا يجوز أن يوجه إلى عاقل ولا يحتفل عاقل بالجواب عليه
فليس في العالم الإنساني مسألتان يكون الحق كل الحق في إحداهما ويكون الباطل كل الباطل في الأُخرى
وإنما تختلف مواضع الاختلاف بمقدار نصيبها في الحق كثرة وقلة وقوة وضعفاً لا بخلوها منه كل الخلو واشتمالها عليه كل الاشتمال
يسألني بعضهم: هل تتغلب الديمقراطية بعد الحرب أو تتغلب الشيوعية! فأقول مبدئياً أن الديمقراطية والشيوعية لن تبقيا كما هما الآن، ولكن تأخذ الشيوعية من الديمقراطية وتأخذ الديمقراطية من الشيوعية وتتقابلان في وسط الطريق، ولكني أعتقد أن موضع الالتقاء أقرب إلى الديمقراطية بكثير
ويسألني آخرون: هل تفضل النهضة الفنية أو النهضة العلمية في الأمم التي تحتاج إلى النهضات؟
فأقول إن نهضة من هاتين النهضتين لن توجد على انفراد، ولن تحيى أمة قط بالعلوم دون الفنون أو بالفنون دون العلوم، فكل عالم تجرد من روح الفن عالم عاجز؛ وكل فنان تجرد من روح العلم فنان غير موهوب، ولا جواب (لأيهما) هنا إلا أن تقول (كلاهما) وتعود إلى التفصيل في التفضيل
ويسألني غيرهم: أيهما أحب إليك جمال المرأة؟ أو جاذبيتها؟ فأقول: وهل تتجرد الجاذبية من الجمال وتسمى جاذبية؟ أو هل يتجرد الجمال من الجاذبية ويستحق بغيرها اسم الجمال؟