ملكات قريحته وهو يعالج هذه الأوصاف، وإذا هو أهملها عامداً أو غير عامد، فإهمالها نفسه دليل على ملكات القريحة كدليل العمل والانتباه
وقد رأينا صحفيين مشهورين يرحلون من بلد إلى بلد، أو من حي إلى حي، ليكتبوا مقالاً وافياً عن بعض الزيارات أو بعض (الشخصيات) فيعنون بالعرض قبل الجوهر، ولا يدرون (مكان الشاهد) كما يقال في لغة العامة عند حصر الحديث المفيد
فيحسبون مثلاً أن المهم من حديث (الشخصية) المقصودة هو ما يسألونها عنه وتجيب عليه، أو يحسبون أن السكوت عن بعض الأسئلة لا يفيد شيئاً كما يفيد الجواب عليها، أو يحسبون أو وضع الطرف والصور في بعض المواضع من المكتب أو البيت عامة أمر لا يهم الاطلاع عليه، ويجرون على قاعدة واحدة في السؤال والجواب، وابتداء الحديث والانتهاء منه، مع اختلاف الأمزجة والعادات بين أناس ينكشفون من المباغتة، وأناس ينكشفون من الشخصية والتكرار، وبين أناس يتحفظون في أحوال، وأناس لا يتحفظون في جميع الأحوال، أو يتحفظون في سياق، ولا يتحفظون في سياق
وقد تجري بين الصحفي والرجل الذي يحادثه محاورة في التمهيد للحديث يسقطها الصحفي من حسابه، لأنها جاءت قبل افتتاح الحديث، ولم تجيء في صلبه بعد بداية السؤال والجواب، مع أن المحاورة التمهيدية هذه قد تدل القراء على جوانب في ذهن صاحب الحديث وعاداته، لا يدلهم عليها عشرات الأسئلة والأجوبة التي تقال بعد تنبيه وتحضير
وندع الصحفيين وننظر إلى الروائيين الذي يتخللون رواياتهم بالوصف الحسي أو الوصف النفسي إما نصاً وإما في خلال السطور
فما أيسر ما نعرف هؤلاء الروائيين قبل أن نعرف أبطالهم وحكاياتهم عنهم؟. . . هذا روائي يصف لك الدنيا كأنما هي كلها سريرة نفسية لا محل فيها لاختلاف الصيف والشتاء وتبدل الأماكن والعصور، وهذا روائي يصف لك الدنيا كأنما هي كلها حديقة أو غابة لا محل فيها لشيء غير نضرة الأوراق وذبول الأوراق وألوان الأوراق، وهذا روائي غيرهما يصف لك الدنيا كأنما هي كلها سوق أو مضمار صراع أو مضجع غرام. وكلهم يظهرون بدنياواتهم هذه قبل أن يظهروا لنا أبطالهم من الرجال والنساء
عرضت مراحل الإنشاء المدرسي في ذاكرتي ورجعت منها إلى مرحلتي على كرسي