يسارع إلى البوابة الإسكائية قبل أن يلحق به أخيل، عسى أن ينجو مما يتربص به من منون. . .
(أي بني! هكتور! فيم تقف في هذا الميدان وحدك تنتظر الطاغية أخيل عليه لعنة السماء والآلهة، بقتله بنيّ، وإهداره دماء مواطنيّ!
هلم يا بني فحسبي ما جزعت عن بوليدور، وحزنت أمض الحزن وأوجعه على ليكاون، وحطم قلبي من الأسى على أبناء اليوم!. . .
هلم يا بني فأنت أمل طروادة ومعقد رجائها، وليس لها بعدك من ولي ولا شفيع!
هلم فأبوك الشيخ قد صدعه الحزن، وأوقرت ظهره ويلات الحرب، وأغطشت عينيه أرزاء هذا البلاء، فلا تكن أنت محنة المحن التي تحل به، واستبق شبابك له يتسل بك، ولأمك المفجّعة تستلهم بقربك الصبر، على ما كرثها الزمن الصارم من نكبات يلاحق بعضها البعض، وتأخذ أولاها بتلابيب أخراها مشرق كل شمس، وكل مغيب شمس
هلم يا هكتور إليّ! إلى والدتك! إلى زوجك! إلى طفلك الذي تكاد تسلمه لليتم، وتدعه خلفك للشقاء!. . .
هلم وحسبنا أرامل شجعاننا اللائى يحلن إشراق أيامنا ظلمة، ويصيرون لألاء الحياة قتاماً. . . أو يرسفن في أغلال الاستعباد حيث يقمن في خدمة الإغريق اللؤماء. . .!
هلم إليّ يا بني! فو أرباب الأولمب إني لأرتعد فرقاً كلما خلتك كلقى بالعراء تنوشك سباع الطير، منبوذاً لضواري هذه البرية التي طالما أطعمتها وأكرمت مثواها. . .)
وصمت الملك، وراعه أن ابنه لم يتحرك لتوسلاته، بل لبث مكانه يرمق الميدان فراح يضرب يداً بيد، ثم انحنى فجعل يحثو التراب على رأسه المجلل بثلج الشيب، وندف الأيام، وبهذه الشعلة البيضاء التي زادتها أحداث الزمان اضطراماً. . .
وكان هيكوبا إلى جانبه. . . هيكوبا مليكة اليوم،. . . هيكوبا الأم. . . التي فجعها أخيل في عدد من أعز أبنائها، ويحاول اليوم أن يفجعها في هكتور، ابنها البكر، وتاج الأمومة الوضّاح، الذي تفخر به كل أم، وتدل به كل والدة!
وقالت الأم الباكية تخاطب هكتور: (هلم يا ولدي فإنك وحدك لا تستطيع أن تكبح جماح هذا البحر الزاخر من الجند، بل لو أن معك ألفاً من شجعان طروادة ما وسعهم أن يردوا عادية