هؤلاء الميرميدون المقنعين في حديدهم، الكثيرين في عديدهم.
هلم يا هكتور واستبق شبابك وعنفوانك لأمك المحزونة التي لم يبق لها من ولد غيرك، ولا عز إلا في جوارك، ولا حمى إلا في كنفك، ولا مجنّ يرد عنها عوادي الأيام إلا في ظلك، ولا فخر لها بين النساء إلا فخرك، وما تمد الآلهة في أيدك، وتشد به أزرك. . .
هلم يا بني فقد أزعجتني الرؤى، وروعتني الأحلام، وجثمت فوق صدري أشباح هذه الساحة التي تفتأ تلبس الحداد وتخلعه وتغري بالنصر ثم تنزعه، وإن سرت بطلاً بفوز تنكص فتفجعه، فتنقد أضلعه وتمتزج بدمي أدمعه. . .).
وكانت الملكة، كما كان الملك، تمزج توسلاتها إلى ولدها بأغلى الدموع، وأحر الآهات؛ بيد أن هكتور ظل مسمراً مكانه كالحية الرقطاء التي تتحوى وتتكوم في انتظار عابر تنقض عليه؛ وكان يمني أن يأخذ أخيل على غرة، فيريح طروادة منه، ويضفر لنفسه بنفسه إكليلاً من المجد لم يزن مفرق بطل من قبل.
وكانت توسلات أبويه تتناثر فوق أذنيه، ولا يصغي لها قلبه، بل هو ظل يحلم في يقظته أحلاماً معسولة، كانت تطن في خلده هكذا:(ضلة لي إذا ثنيت عناني إلى المدينة ألوذ بها من أخيل، فأرسف أبد الدهر في حضيض العار، واطأطئ حياء كلما رأيت طروادياً يهمس في أذن أخيه: إن هذا هكتور الذي ولى دبره، ونكص على عقبيه، ولم يجرؤ أن يلقى أخيل بمفرده في الميدان. . . وأين أذهب من غادات اليوم وحرائرها إذا أنا وليت الأدبار، وهاهن مشرفات على الساحة يرين ماذا يكون من أمري مع ابن بليوس الذي تفزع الآلهة من ضرباته، وتمور الأرض تحت عجلاته، وتنعقد عجاجة الوغى فوق رأسه في حين يبرز منها كالكوكب الدري! حاشاي أن أعود أجرر أذيال الخيبة، فأما أن ألقاه فأريح الدنيا قاطبة من شره، وإما أن يرحني هو من هذا الهم المقيم فأفضي في سبيل بلادي ومن أجل مملكتي. . .
ثم فيم صراخ أبي وعويل أمي؟ أيرجوان أن أدخل إلى المدينة فأكون بنجوة من الموت الشريف فوق أديم الميدان ساعة، ثم يفتحها أخيل عليّ، فيذبحني كما يذبح شاة لا حول لها ولا طول، أو يضع الأغلال في عنقي ويجرني في شوارع (إليموم) كما تكون أذن الجارية في يد النخاس بسوق الرقيق!؟