وكذلك (الفارابي + ٩٥٠) و (ابن سينا + ١٠٣٧) و (ابن رشد + ١١٩٢)، الذين كانوا تلامذة مخلصين (لأرسطو)، قد اعتنقوا آراء تمتاز كثيراً عما جاء به أستاذهم. وإذاً استطاع العالم الإسلامي أن يكون لنفسه فلسفة تلتئم وظروفه الدينية والاجتماعية.
بيد أن الفلسفة الإسلامية، في تاريخها، في نظرياتها، في رجالها، لم تدرس الدرس اللائق بها، ولا تزال الحلقة المفقودة في تاريخ الفكر الإنساني، فحتى الساعة لم يبين الباحثون بدقة أصل نشأتها، وتاريخ تكوينها، والعوامل التي أدت إلى نهوضها، ولا الأسباب التي انتهت بانحطاطها والقضاء عليها، ولم يناقشوا نظرياتها واحدة واحدة ليوضحوا ما اشتملت عليه من أفكار الأقدمين، وما أنتجت من ثروة جديدة. وأما رجالها فغرباء في أوطانهم، مجهولون لدى أقرب الناس إليهم؛ ولا أدل على ذلك من أن كثيرين منا يعرفون عن (روسو + ١٧٧٨) أو (سبنسر + ١٩٠٣) ما لا يعرفون عن (الكندي + ٨٧٠) أو (الرازي + ٩٣٢)، ولو لم يقيض الله لفلاسفة الإسلام جماعة من المستشرقين وقفوا عليهم جزءاً من أبحاثهم ودراساتهم، لأصبحنا ونحن لا نعلم من أمر الفلسفة الإسلامية شيئاً.
إلا أن هذه الدراسات وتلك الأبحاث قليلة ومعيبة من وجهين: أولاً إهمالها للجانب الفلسفي واشتمالها على كثير من الأخطاء اللغوية والفنية والتاريخية. ولعل سر ذلك أن أغلب من كتبوا في تاريخ الفلسفة الإسلامية لا يجدون العربية، ولا يحيطون تمام الإحاطة بتاريخ الثقافة الإسلامية؛ أو إن عرفوا ذلك فهم يجهلون تاريخ الفلسفة العامة، ولم يتوفر لديهم التفكير الفلسفي المنتظم؛ ولسنا في حاجة إلى سرد أمثلة، فإن هذا الحكم ينطبق، إذا استثنينا طائفة محدودة، على عامة الكتب المتصلة بتاريخ الفلسفة والفلاسفة المسلمين. وأما العيب الثاني فميل شديد إلى الاختصار يكاد يخل بالغرض المطلوب، ويحول دون القارئ والنفوذ إلى صميم ما يقرؤه. ومن أوضح الأمثلة على ذلك مختصر قيم حقيقة للعالم الهولاندي (دي بور)؛ غير أن عيبه الهام يرجع بالتحديد إلى اختصاره المبالغ فيه؛ وفوق هذا فان هذه الكتب في جملتها قديمة العهد، قد ألفت في زمن ما كان يعرف فيه عن التاريخ الإسلامي إلا الشيء القليل. أما اليوم وقد تقدمت معلوماتنا تقدماً محسوساً في هذه الدائرة، فنحن في حاجة ماسة إلى أبحاث تتناسب مع مصادرنا الجديدة، ومع ما استكشفنا من مخطوطات ومؤلفات للفلاسفة والعلماء المسلمين.