للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مالي).

وقد أثنت يثرب على مشورة ابن العاص، ومروءة عثمان بن عفان، وقالت إن هذا درس عسى أن ينفع العجم والنصارى فيصرفهم عن التآمر مرة أخرى ولكن فريقاً من الأنصار كتبوا إليها يفندون رأيها، ويقولون إن الواجب كان أن يقتل ابن عمر؛ فكان هذا أول خلاف في عهد عثمان.

ولم ننقل هذا إلا لأن الفريق الذي طالب بقتل ابن عمر كذب ما روته (يثرب) في ملحقها من أن أبا لؤلؤة قاتل عمر انتحر لما كثر عليه الناس وأيقن من الهلاك، وأكد أنه لم ينتحر، وإنما ثار رجل من المصلين فقتله وأخذ منه الخنجر.

وكذب أيضاً أن الخنجر كان مسموماً، ولم يحفل ما قاله الطبيب الشرعي في ذلك، وقال إن ستة ممن طعنهم أبو لؤلؤة بخنجره هذا شفوا ونجوا، ولو كان الخنجر مسموماً لماتوا، وإنما مات من مات لإصابته في مقتل، أو من شدة النزف.

وطال الجوار والأخذ والرد بين (يثرب) ومخالفيها في الرأي حتى لأنكروا عليها أن الحدث كان عن تآمر، واستهجنوا منها أن تحض على اضطهاد العجم والنصارى، وقالوا إن هذا التحريض من سوء الرأي، وإنه خليق أن يفسد أمور الدولة ويخلق لها متاعب هي في غنى عنها في عهد التأسيس، وأنه توجد عصبيات لا يؤمن شرها في المستقبل، وتفاقم الخلاف بين الفريقين حتى لدعا علي كرم الله وجهه، الخليفة إلى إغلاق يثرب، أو على الأقل تعطيلها حتى تقر الفورة وتهدأ النفوس، ولكن الخليفة شق عليه أن يصيب حرية الرأي في عهده أي سوء، فاكتفى بالنصح لجريدة (يثرب) ألا تسرف في دعايتها، وأن تتقي اللجاجة وما قد تجر إليه من الفتنة.

وقد آثرنا التخليص، لأن النقل يطول، والقارئ أدرى بالصحف وكيف تبدئ وتعيد حتى تعكر الجو وتضجر وتغشى. وقد بلغ من تفرق الرأي في ذلك الوقت أن الناس كانوا يجلسون في المسجد حلقات وفي أيديهم أعداد (يثرب)، فهذا يؤيد، وذاك يعارض ويكذب، حتى خيفت الفتنة وحسبنا هذا القدر.

إبراهيم عبد القادر المازني

<<  <  ج:
ص:  >  >>