للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

منافعها بفقد اعتقاده نبل غايته ووسائله حتى ولو كان فقده وسائل الحياة من أجل ذلك بعيد الاحتمال.

ولكن كثيراً ما يحصن المرء ضعة غايته ووسائله بما يعتقد الناس فيه وما يعتقد هو في نفسه من الفضل والجاه والنبل والصدق، ولا تخلو نفس من شيء من هذه الصفات قل أو كثر، وكلما كثر نصيب المرء من هذه الصفات كثرة حصانة غاياته ووسائله، ومن أجل ذلك ترى الرجل الذي يعتقد الناس فيه هذه الصفات أقدر على مغالطة الناس ومغالطة نفسه فتسهل هذه المغالطة بما له عند نفسه وعند الناس من ثقة بنصيبه من هذه الصفات، وهذا الرجل أشد خطراً على الحق والخير وإذا غالط نفسه، أو غالط الناس لأنه يسهل تصديقه والاقتداء به ولا يحسب أحد أن له غاية حقيرة أو وسيلة دنيئة بجانب ما في نفسه من صفات الفضل والصدق والحق أو بجانب ما اكتسب من جاه وثقة

وكما أنه يسهل أن تحول الغاية الدنيئة غاية رفيعة نبيلة وأن تعتقد أن تلك الغاية التي صارت نبيلة في نظرها تبرر الواسطة الوضيعة يسهل أيضاً أن تستغني النفس عن الخطوة الثانية، وهي تبرير الواسطة الوضيعة أو تحويلها إلى واسطة نبيلة وإبرازها للناس كأنها واسطة شريفة سامية بدل تبريرها بالغاية والمقصد، وهذا من شدة احتياط النفس عند من قد يرفض ذلك التبرير ويأبى تلك التزكية، ونظرة من الباحث المتقصي وسائل الناس تدل على أنهم يتعامون عن ضعة وسائلهم ويغالون في إبرازها في حلة الوسائل السامية وإنما الخلاف بينهم في تزكية كل منهم وسائله واتهام وسائل غيره. وقد يعرض للباحث سؤالان هما هل يتاح للإنسان عصر يكثر فيه من بحث نفسه وتقصى حقائقها؟ وهل يرفع هذا التقصي من نفس الإنسان؟؟ أحسب أن هذا لا يكون مادام ذعره خشية فقدانه وسائل الحياة على اختلاف أنواعها واقعاً محذوراً.

عبد الرحمن شكري

<<  <  ج:
ص:  >  >>