ينشأ عنهما من عدوى تؤدي إلى شدة اعتقاد الناس وعظم اقتناعهم لا يدل على أن هذا الإنسان على حق فيما يعتقد وفيما أعدى الناس اقتناعه به، ولكنها سنة مألوفة لدى الباحث في النفس وهي أن الإحساس الشديد ينتقل كالعدوى لشدته وكذلك الاقتناع العظيم ينتقل من نفس إلى نفس كالعدوى لعظمه لا لصوابه، ولما كان الاقتناع المؤسس على الحقد أو الأنانية شديداً لأنه مؤسس على إحساس شديد وهو الحقد أو الأنانية، سهل انتقاله إلى نفوس الناس شأن كل اقتناع مؤسس على إحساس شيء شديد آخر، وأحسب أن الناس معذورون بعض العذر في هذه المغالطات النفسية وفي بعض هذا الغيظ والحنق إذا كشف كاشف عن تسفل غاياتهم أو وسائلهم لأنه إذا أتيح لأكثر الناس فهم حقارة غاياتهم ووسائلهم والتأثر بهذا الفهم والتألم من أجل تلك الحقارة ضاعت ثقتهم بأنفسهم وضاعت ثقة الناس بهم واعتراهم الضعف في معالجة أمور الحياة ومعالجة مطالبهم فيها ولا مراء أن بعض هذه النتائج محمود إذا بلغت بهم منزلة القصد والعدل والحق ولم تنحدر بهم إلى منزلة الضعف والعجز ولم تنل من عزائمهم كل منال، ولكن الناس يعرفون أن نفوسهم قلما تنتقل من إحساس إلى إحساس إلا من نقيض إلى نقيض مثل رقاص الساعة فمن فعل إلى رد فعل، ومن رأي إلى نقيضه ومن شعور إلى عكسه فتغيرهم النفسي يختلف عن تغير أمور الطبيعة. ومن أجل ذلك ترى أن الناس في حياتهم وتأريخهم يسبقون سنة التغير في الطبيعة فيحدث رد فعل ورجعة في أمورهم كي يرجعوا إلى ما يناسب تغير أمور الطبيعة، وهذا هو سبب كثرة ما يشاهد من فترات الرجعة ورد الفعل في تأريخ البشر وفي حياتهم.
وهذه الطفرة في إحساس النفس مشاهدة بصفة خاصة في العامة والصغار والجهلة والقليلي المدنية أكثر من مشاهدة الباحث لها في خاصة والكبار والمتعلمين والكثيري المدنية. ومن أجل تردد النفس بين الإحساس ونقيضه يخشى الناس على عزيمتهم في الحياة ويخشون النتائج التي يأتي بها إطلاعهم على حقيقة غاياتهم ووسائلهم ويخشون أن يعرفوا ضعتها بعد اعتقادهم نبلها فهذا أمر يفاجئهم مفاجأة قد تحدث هزة في النفس وهذه الخشية تزيد غيظهم وحنقهم فيدفعون بالغيظ ذعرهم من أن تنأى بهم ضعة غاياتهم عن عزائم النجاح ومساعيه، وهم يخشون الفشل والضيعة، وما قد يكون فيهما من الذل أو فقدان وسائل الحياة نفسها؛ ولا شيء يدعو إلى القسوة مثل ذعر المرء إذا خشي أن يفقد وسائل الحياة على اختلاف