وليست الأمانة هي أن تحمل رسالة معينة وتسعى إلى تحقيقها بمختلف الوسائل. . ليست هذه هي الأمانة. . . وإنما هي أسمى من هذا بكثير.
هي أمانة الكاتب لقلمه المستمد من دمه وعرقه وآلامه وقلبه. . . أمانته تجاه هذا القلم، فإذا هذا القلم أقدس ما يملك، لا يستبيح لنفسه أن يتجنى عليه باستعماله استعمالا غير مشروع، أو استعمالا يجاوز الحق، ولو في واحد من مائة، فان مجاوزة الحق تتساوى: واحداً في المائة، ومائة في المائة.
وهي أمانة الكاتب تجاه منهجه الذي كونته الدراسات والقراءات والتجارب والدموع. . . لا يتصرف في هذه الفكرة إلا في حدود تتسق معها ولا تنبو عنها. . ولا تتنافر أو تتناحر مع فلسفة الكاتب في حياته.
وهي أمانة الكاتب تجاه مجتمعه الذي يعيش فيه. . . أمانته تجاه العقول والأفكار التي تتناول إنتاجه وتتأثر به، وتحذو حذوه. . .
وهي أمانة الكاتب تجاه التاريخ الذي يتناوله، ويسجل عليه، ما أفاد، وما أضر، ويضعه في القائمة البيضاء، أو ينخفض به إلى مستوى الذين لا يرتفعون عن القائمة السوداء.
إذا توفرت هذه العناصر كلها في شخص فهو الكاتب، وإلا لم يكن كاتباً، وأصبح من الجناية على المجتمع وعلى الأفكار وعلى الأخلاق، وعلى مستقبل الجيل أن بعد هذا الشخص كاتباً. . . بل أصبح من الجناية فعلا، أن تفتح لأمثال هذا الإنسان المتجني صفحات الصحف، وأنهار المجلات، وأبواب دور النشر.
والسؤال الآن هو: كم كاتباً في مصر؟
في مصر سبع صحف يومية تصدر كل صباح، وثلاث تصدر كل مساء، عدا المجلات الأسبوعية التي لا يدركها الحصر، غير المجلات الشهرية، والنشرات الكثيرة العديدة.
وفي كل صحيفة من هذه الصحف، مقال واحد على الأقل، أما في المجلات فكل منها تحوي عدة مقالات.
ولو أننا استعرنا الطريقة الأمريكية في الأحصاء، لأمكننا أن نقول إن القراء المصريين يواجهون كل يوم بحوالي عشر مقالات وقصص لعشرة كتاب. . .
ومعنى هذا أن هناك سبعين قلماً تسود هذه الصفحات البيض، وتطلع بها على القراء!!