للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بين مراكش والصين والمنثورة بين البحر الأبيض وخط الاستواء. .).

غير أن هذا المعنى الذي يشير إليه جوستاف لوبون، والذي بقي حياً في قلوب أمم الشرق، وظل يربط نفوسهم برباط الوحدة، استحال آخر الأمر في قلوبهم وفي نفوسهم وفي تفكيرهم إلى وضع معكوس مقلوب عما كان عليه آباؤهم من قبل، وليس لباساً ملفقاً من الأوهام والأضاليل والترهات، أجل! فقد كان الدين في قلوب الآباء قوة تتدفق بالحياة والحركة فأصبح في قلوب الأبناء إشارة ضعف وجمود، وكان في نفوس السابقين مظهر عزة وفخار، فصار في نفوس أولئك اللاحقين دلالة ذلة وانكسار، وكان في تفكير السلف صلة تصلهم بما في الدنيا من أرقى معاني الحرية والاستقلال فانعكس في تفكير ذلك الخلف إلى بلادة تفيض بالخضوع والاستسلام، حتى كنت لا تلمس في ذلك الجسم الطويل الممدود في أفريقية وآسيا من معاني الدين إلا الحسرة على مجد كان لهم، والبكاء على سلطانٍ ضاع من أيديهم، وإنهم لفي يأس من رجعة ذلك إليهم، كأن ما ذهب قد ذهب الأيام بحقيقته، فكان هذا مما فتح الباب لبعض المستشرقين في اتهام الدين الإسلامي في طبيعته وتعاليمه، فقرروا أنه هو الذي أفضى بالشعوب الإسلامية في الشرق إلى ما هم فيه من الانحطاط، وأن عقيدة القضاء والقدر هي التي أدت بهم إلى البلادة والخمول والاستسلام، ومن العجيب أن هذه التهمة الباطلة المغرضة قد راجت في الغرب، وجازت على بعض أبناء الشرق، على الرغم من أنها ظاهرة البطلان، واضحة البهتان. . .

كانت تركيا تحمل لواء الخلافة الإسلامية، وتبسط جناح السيادة على أقطار الشرق العربي فيما تحكم من الأقطار والإمارات، ولكن تركيا كانت تعني بأملاكها في أوربا أكثر مما تعني بشؤون الشرق العربي وشؤون أقطاره، ولم تكن لها صلات صحيحة تقوم على المودة بين أبناء العروبة، ولم تكن ترعى حقوق الرابطة الإسلامية كما يجب أن تكون الرعاية، بل لقد صارت سياستها في الشرق آخر الأمر مثلا شروداً في الظلم وخنق روح القومية بين أبناء الأقطار العربية، والاستبداد في القضاء على كل مظهر من مظاهر الاستقلال والتعاون بينهم، وعندما تنمر الاستعمار الأوربي وأخذ يتطلع لافتراس ممتلكات تركيا أو الشيخ المريض كما كانوا يقولون، لم تبادر تلك الإمبراطورية المتداعية إلى تدارك هذا الأمر برأب الصدع وإقامة جبهة إسلامية قوية في الشرق لمواجه هذا الخطر، ولقد أراد السلطان

<<  <  ج:
ص:  >  >>