للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عبد الحميد أن يحقق هذه الغاية استجابة لدعوة السيد جمال الدين، كما سنشرح ذلك فيما بعد، ولكنه أخفق، لأنه أراد أن يقيم هذه الوحدة لا من حول تركيا ولا من حول الفكرة الإسلامية، بل من حول شخصه هو، فالتاث عليه الأمر، وجرت الأحوال في طريقها المحتوم، وانطلقت الدولة في سياسة الأقطار العربية على أساليبها الفاسدة، وخطتها الجامدة، فكان ذلك مما عجّل بتقليص ظلها عن الشرق، فاحتل الفرنسيون تونس في سنة ١٨٨١، واحتل الإنجليز مصر سنة ١٨٨٢، ثم أغارت إيطاليا على طرابلس في سنة ١٩١١، ثم وثبت فرنسا مرة أخرى فاستولت على المغرب في سنة ١٩١٢، ثم قامت الحرب الماضية فكانت نهايتها نهاية تركيا في حكم الشرق العربي جميعه. . .

الهمزة الأولى. . .

ولعل حملة نابليون على مصر كانت أول هزة هزت أقطار الشرق العربي، وحركت من وجدانات أبنائه، فإن تلك الحملة كانت كما يقول (كلوت بك) أشبه شيء بصاعقة هوت من السماء على الشرق، فأيقضته منزعجاً من سباته الطويل العميق، إذ كانت الأساليب العتيقة فيه قد بقيت إلى ذلك العهد على حالها لم يتناولها تغيير ولا تبديل، وكانت الدولة العثمانية قائمة بحروب طويلة ضد الروسيا والنمسا، ففازت بالنصر تارة وباءت بالخذلان أخرى، لكن هذه الحروب لم تغير شيئاً من أفكارها العتيقة، وكانت الشعوب الخاضعة للدولة العثمانية تعتقد أنها بعيدة المنال على من يرومها بفتح أو قهر، وأنه لا يمكن أن يوجد على سطح الأرض دولة تبلغ مبلغها عزاً ومنعة لأن ذكرى الفتوحات القديمة كانت لا تزال عالقة بأذهانهم. .)

لهذا كله كانت تلك الحملة هزة هزت أعطاف الشرق العربي، واتجهت به وجهة جديدة مغايرة، ولم تكن تلك الحملة بما يكتنفها من الظروف والملابسات موجهة إلى مصر فحسب، ولكنها كانت تريد أن تتخذ من ذلك باباً إلى أقطار الشرق جميعها، وإذا كانت تلك الحملة قد فشلت من الناحية الحربية والسياسية، فإنها لا شك قد نجحت من الناحية العلمية والفكرية، وكانت الاتجاهات التي اتجه إليها نابليون في إنشاء المجالس النيابية والوطنية، مما فتح الأعين وهز النفوس بالتشوق إلى وضع جديد من أوضاع الحكم يقوم على الشورى والرأي، وأكثر من ذلك فقد وقف أبناء الشرق بواسطة هذه الحملة على ما دعت

<<  <  ج:
ص:  >  >>