إليه الثورة الفرنسية من مبادئ سياسية وغايات اجتماعية في تحقيق العدالة والإخاء والمساواة، فكان لهذا كله اثر في الأفكار والميول ظهر فيما بعد. .
محمد على والوحدة. .
وتم الأمر لمحمد على باشا في حكم مصر والاستقلال بها عن الدولة العثمانية، وقد كانت لذلك العاهل العظيم مطامع وآمال كبار في إقامة إمبراطورية عربية شرقية تقوم على أطلال الإمبراطورية العثمانية المتداعية، أو على الأقل تقوم تجاهها في الشرق حفظاً للتوازن الذي يجب أن يقوم أمام الغرب الطامع، والتي كانت الحملة الفرنسية نية من نياته المتحفزة المتنمرة، وكان محمد علي يرى أن تحقيق آماله هذه منوط بشيئين أساسيين: سطوة السيف، وقوة العلم، ومن ثم فقد أرسل بجيوشه الفتية تحت قيادة ابنه إبراهيم لتحقيق هذه الغاية في ميادين الحرب، كما أرسل بالبعوث العلمية إلى أوربا لتكون سنادة لهذه الغاية، وتدعيما لسلطان السيف فيما يطويه من الممالك والأمصار، ولقد سئل إبراهيم باشا عندما شدد الحصار على عكا وأوشك حصنها أن ينهار أمام قواته: إلى أي مدى ستقف في فتوحك إذا ما تم لك الاستيلاء على عكا؟ فقال: إلى مدى ما يتكلم الناس وأتفاهم وإياهم باللسان العربي، ومما يؤثر عنه أنه كان يقول: أنا لست تركياً فإني جئت مصر صبياً، ومنذ ذلك الحين قد مصرتني شمسها وغيرت من دمي وجعلته دماً عربياً. . .
إذا كان محمد علي يقصد إلى إقامة إمبراطورية تقف حدودها عندما يتكلم الناس ويتفاهمون باللسان العربي، وإذن كان ذلك الرجل العظيم يرمي إلى هدف معلوم مفهوم، وهو إقامة وحدة بين الأقطار العربية بحد السيف وسلطان القوة، على نحو الإمبراطورية العظيمة التي أقامها الفتح الإسلامي، والإمبراطورية الممتدة التي أقامها الفتح العثماني، فهو لم يتنكب الوضع التاريخي السابق الذي اتخذه مثالا وقدوة في تحقيق مطامعه، وقد كاد الأمر يتم له، لولا يقظة الدول الأوربية وتألبها عليه، إذ تبينت حقيقة مطامعه وخطر قيام هذه الإمبراطورية العربية على أطماعها في الشرق، فتآمرت على تحطيم أسطوله في معركة (نافارين) ووقفت إلى جانب تركيا تتحداه في مطامعه، وتحتم عليه أن يعود أدراجه، فاستطاعت بذلك أن تغير وجه التاريخ، وأن تقلب أطماع محمد علي رأساً على عقب، وأن تقضي على آمال ذلك البطل العظيم في إقامة وحدة عربية أو على التحقيق في تأسيس