وأنت في الواقع لا تستطيع أن تجد فرقاً يذكر في تقدير محمد على بين العربية والإسلامية، فإن الرجل كان يتكلم بقوة السيف، والذي يتكلم بقوة السيف لا يعنيه غالباً البحث في الألفاظ والاهتمام بوضع الاصطلاحات والتدقيق في تحديد الفرق بينهما، كما يصنع الذين يجلسون على المكاتب فيرسمون الخطط، ويحسبون الخطوات، ويهتمون في حسابهم بالأصفار والفروق بين الأصفار، ويقدرون أن إنشاء الأمم وحياة الشعوب نظرية هندسية يقدر قياسها بالدرجة وأجزاء الدرجة، إنما كان قصد محمد علي كما قلنا إلى تأسيس إمبراطورية تقوم بين أجزائها وعناصرها على الوضع السابق في قيام الإمبراطورية العربية والإمبراطورية العثمانية، وأنت حر في نعتها بالعربية أو بالإسلامية أو بالعلوية، فهذه كلها ألفاظ مترادفة تؤدي إلى مدلول واحد، وغاية ما كان ينظر إليه محمد على هو وحدة اللسان العربي، وكأنه كان يريد بهذا إشعار الأقطار التي تدخل حوزته بأنه عربي لأنه يتكلم هذا اللسان، حتى لا يشعروا بأن حكمه عليهم صورة أخرى من الحكم العثماني، وأنه فرع من تلك الشجرة فيؤثروا أن يستمروا على العيش في ظلال الأصل بدل الفرع ما دام الوضع هو هو لم يتغير. .
إسماعيل والوحدة الأفريقية
ودالت دولة محمد علي، أو قل دالت أطماعه في إقامة الإمبراطورية التي كان يريدها، فلما كانت أيام إسماعيل باشا، كانت في نفس ذلك الخديوي نزعة طموح من نزعات محمد علي، وكانت تتخلله رغبة في الفتح، ولكنه كان يقف في هذه الرغبة عند إقامة وحدة أفريقية تشمل حوض نهر النيل من المنبع إلى المصب، وما يتصل بذلك من الأقطار القريبة والأمصار التي لا بد منها، وقد أرسل بعض الحملات الحربية في سبيل تحقيق هذه الرغبة، وقد استطاع إسماعيل أن يشغل الأذهان بعض الوقت بمسألة (الوحدة الأفريقية)، وأعاد سيرة محمد علي في بعث البعوث العلمية، واندفع في الأخذ بمظاهر المدنية الأوربية حتى يكون لمصر الصدارة في ذلك بين الأقطار المجاورة، ولكن شتان ما بين محمد علي وإسماعيل، فقد كان محمد علي يجند جميع مرافق البلاد لخدمة جيوشه والإنفاق عليها، وكانت هذه الجيوش تجلب له ما تجلب من المغانم والأسلاب، ولكن إسماعيل كان يستدين