للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فلقد كان من الشائع جدا أن المتكلم عن الأجناس البشرية يخلط بين الثقافة واللغة والدين في تقسيم الناس إلى أجناس، وبين صفاتهم الجثمانية البحتة كاختلافهم في اللون والقامة وشكل الرأس والشعر. . وهي الصفات التي يجب أن تكون الأساس العلمي الاكبر - بل الوحيد - لتقسيم الناس إلى أجناس.

هذه الاختلافات الجثمانية أمرها قديم جداً. وللأسف لم ينشأ علم ولا علماء يعنون بمعالجة هذا الموضوع ودراسة السلالات البشرية دراسة علمية صحيحة إلا في عصر حديث جداً، ومما يؤسف له أن كثيرين ممن أوتوا حظا وافراً من الثقافة لا يزالون - بسبب حداثة هذا العلم - جاهلين حتى بمبادئه الأولية.

ولهذا قد نرى كثيرا من المسئولين من رجال الأدب والسياسة ينطق بألفاظ وعبارات عن الأجناس وأهميتها وأفضلية جنس على حنس في صور لا تنم عن دراسة حقيقة للسلالات البشرية ولعلم الأجناس.

واختلاط السياسة بعلم الأجناس من أيسر الأمور. فان الدول كثيرا ما تصبح في مقام المنافسة والمناظرة من أجل استنهاض همة الناس أو تقوية الروح القومية فيهم. فليس أسهل للوضوال الى هذه الغاية من أن يفهم الناس أن سلالتهم أعظم السلالات، وجنسهم ارقى الأجناس. وقد يتدخل رجال العلم في هذا الأمر، وينزلون عن عرش علمهم الى درك المنافسات القوية. وهذا أمر يستدعي الأسف، ولكنه كثير الحدوث، ولم تختص به المانيا النازية: كما يزعم خصومها. بل إن أشهر الكتاب فيه من غير الألمان

إن علم الأجناس لا يرى فضلا لسلالة على سلالة ولا لجنس على جنس. حتى إن بعض المؤلفين (راجع مثلا كتاب وقد يخصص جزءا غير قليل من كتابه في دحض الآراء الشائعة عن الأجناس، فهو لابد له أن يهدم الخطأ قبل أن يبنى الصواب.

الاجناس كلها متساوية في نظر العلم، ولكن أكثر الناس قد وقر في نفسه غير هذا. ومن قديم الزمان جداً يفخر كل شعب بأنه هو الشعب الأعظم. وما سواه أمم بربرية. وهذا بالطبع لم يكن سوى صورة من صور الأثرة القومية. فاليونان كانوا يقسمون سكان العالم الى قسمين: اليونان والأمم البربرية. وهكذا يقول هرودوت في مقدمة كتابه إنه سيقص فيه الحوادث العجيبة التي حدثت للهلينيين (اليونان) وللأمم البربرية.

<<  <  ج:
ص:  >  >>