قتلوا فيها أهلها، وخربوا عامرها، وحرقوا كتبها أو أغرقوها.
ومن هذا الوقت تغيرت العواصم، وتبدلت الأسماء وخلفت الدولة العربية دول المغول والأتراك، وأخذت الخرائط التي وضعت بعد ذلك وجهاً آخر جديداً. فالخريطة الإدريسية إذن هي آخر تمثال لدولة العرب الغابرة يلهمنا العظة ويحدثنا عن فتوحهم وعن مجدهم وفخارهم بأنصع عبارة وأجلى بيان.
وإنني في الختام أدع الحكم على قيمة هذا العمل العلمي الكبير، وعلى مجهودات الإدريسي ورجار المشكورة لرجل خبير درس الخريطة وشرحها (نزهة المشتاق) دراسة وافية، لرجل لم يجر في عروقه الدم العربي، ولا مجال لاتهامه بالتحيز في حكمه، ذلك هو الأستاذ (كونراد ميللر) إذ يقول في آخر بحث أجاره لشرح الخريطة ما معناه: (إن رجار الثاني والإدريسي بوضعهما لهذه الخريطة قد وضعا أهم حجر أساسي في تاريخ انتشار العلم الإنساني) واليكم عبارته بالنص الألماني:
, , ,
أما كلمتي أنا فأني أوجهها إلى ورثة الأمة العربية، وأخص شباب مصر الناهض وأبناءها البررة العاملين، أوجهها إلى هؤلاء جميعاً بعد أن نشرت بين أيدي القراء صحيفة ناصعة من صحائف أسلافنا الأمجاد، وبعد أن عرضت عليهم بعض ما يجعلنا نعتز بتاريخنا، ونفخر بماضينا، وأناشد هذا الشباب المصري ليجدَّ في العمل كل في ناحيته راجياً أن نوفق في مسعانا، ونربط حاضرنا بماضينا لنصل بوطننا العزيز بمشيئة الله وعونه إلى مكانه الذي أخذه فوق ذروة المجد، وعلى قمة العلياء تحت قيادة مليكنا المحبوب قائد النهضة وحامل لوائها في مصر والشرق.