الجامعة، وكنت أتردد فيها على الأندية وملاعب التمثيل أكتب إليك وقد أنىّ لي أن أعود إلى القاهرة. لعلك تإذنين في أن نلتقي مرة قبل أن أعبر البحر. ولست أدري أيقع هذا الكتاب منك موقع الرضى أو موقع السخط؟ ولكني أعلم أن الأيام معدودة علينا في هذه الحياة وان من الحمق أن يستطيع الأصدقاء التلاقي ثم لا يلتقون، ينتظرون أن يتاح لهم ذلك في يوم آخر قريب أو بعيد. فمن يدري لعل هذا اليوم ألا يجيء. ولعل الأحداث والخطوب أن تحول بين الأصدقاء وبين ما كانوا يقدرون من اللقاء فيه. ولو عقل الناس لما تفرقوا إلا حين لا يكون من الفراق بد، ولكن الغرور يغرهم بأنفسهم ويطمعهم في الأيام، فيخيل إليهم أنهم مخلدون وأنهم ليمرون بالحياة كما يمر الطيف بالنائم المغرق في النوم وقد تعجبين حين تعلمين إني لا أكتب إليك من باريس، وإنما أكتب إليك وقد دنوت منك حتى لم يبق بينك وبيني إلا مسير دقائق على الأقدام. فقد وصلت إلى مدينتك الجامعية مع المساء وأنا أكتب إليك وستقرئين كتابي مع الصباح فان أردت لقائي فهذا رقم التلفون، وإن أبيت فان القطار يبرح مدينتك إلى مرسيليا مع الظهر، ولن أراك حتى أعلم بأن رؤيتي لا تؤذيك ولا تثقل عليك، ولا تخيل إليك أنك تخرجين على ما ألف الناس من أوضاع وأطوار.
عجبت للأذكياء وكبار العقول انهم ليأخذون أنفسهم أحيانا بما لا يلائم الذكاء ولا تسيغه العقول.
وكانت تختلف على وجهها الناصع وهي تقرأ هذا الكتاب مظاهر الوفاق والخلاف وآيات الرضى والسخط. فكان وجهها يشرق حينا، وتغشيه ظلمة رقيقة حينا آخر. حتى إذا فرغت من قراءة الكتاب وضعته في رفق أمامها على المائدة ومدت بصرها كأنما تريد أن تبلغ به أقصى الآفاق. لولا هذه الجدران التي تقوم غير بعيد وتقف عينها عند حد محدود وأرسلت نفسها الحرة إلى أبعد مما استطاعت أن ترسل إليه بصرها السجين، وظلت على هذه الحال وقتا لم تعرف أطال أم قصر ثم عادت إلى نفسها وثابت إلى غرفتها من الفندق، وأخذت كتابها برفق، وأعادت النظر فيه، وظلت كذلك تنظر في الكتاب ثم تدعه، ثم تعود إليه. حتى أدارت رأسها عن غير عمد فرأت التلفون، فقامت من غير عمد، وسعت إلى التلفون، ثم تحدثت فيه عن غير عمد، وعادت إلى مكانها، فأخذت الكتاب ونظرت فيه، ثم نظرت