للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ضرباً مبرحاً، وطافوا به على جمل، فأقام ببغداد إلى أن مات!

(وشهدوا على الشبلي بالكفر مراراً مع تمام علمه وكثرة مجاهداته، وأدخله أصحابه البيمارستان ليرجع الناس عنه مدة طويلة!

(وأخرجوا الإمام أبا بكر النابلسي مع فضله واستقامته في طريقته من المغرب إلى مصر، وشهدوا عليه بالزندقة عند سلطان مصر، فأمر بسلخه منكوساً، فصار يقرأ القرآن وهم يسلخونه بتدبر وخشوع، حتى قطع قلوب الناس، وكادوا يفتتنون به!!

ورموا الشيخ أبا مدين بالزندقة وأخرجوه من بجاية إلى تلمسان

وأخرجوا أبا الحسن الشاذلي من مصر وشهدوا عليه بالزندقة

ورموا عز الدين بن عبد السلام بالكفر، وعقدوا له مجلساً في كلمة قالها في عقيدته وحرشوا السلطان عليه

ورموا تاج الدين السبكي بالكفر وشهدوا عليه إنه يقول بإباحة الخمر والفاحشة، وأنه يلبس في الليل الغيار والزنار وأتوا به مغلولاً مقيداً من الشام إلى مصر. . . الخ. . . الخ)

وبعد. . . فتلك صفحة عجيبة من تاريخ الاضطهاد الفكري نقلها صديقنا الدكتور زكي بقلمه عن كتاب اليواقيت. . . وهو كما قدمنا رجل ألمعي أريب قوي الذاكرة. . . فلا يمكن أبدا أن يكون صادقاً حينما ينعى حرية الفكر في مصر اليوم، ويتباكى على حرية الفكر في العصور الذهبية للتصوف الإسلامي. ولكن الممكن أن يكون مداعباً كدأبه. . . وإلا فماذا حدث في مصر الحديثة لرجال التصوف المنبثين في كل حدب وكل صوب. أو ماذا حدث للذين يعلنون اليوم جهرة أنهم يؤمنون بنظرية وحدة الوجود التي خرجوا منها بأن الله هو هذا العالم - أو هذا الوجود المطلق الكلي - وأن محمداً هو مبتدع تلك النظرية، كما أنه مؤلف القرآن، وأن كل ما جاء به، صلوات الله عليه من أنباء الغيب لا يمكن أن ينهض له العقل. فلا بعث ولا حساب ولا ثواب ولا عقاب ولا جنة ولا نار ولا ميزان ولا صراط. . . وأنه لا داعي لأن يدعو الإنسان ربه ولا أن يصلي له. . . لأن دعاءه وصلاته لن يغيرا من قوانين الأقدار شيئا. . . وأن المتضادات أمام الله سواء، لأنه هو الهادي وهو المضل، وعليه، يكون الفجور كالتقى، والشر كالخير، والسجود بين يديه مثل إكباب المرء على حليلته. . . إلى آخر هذا الهذيان الذي اجترأ بعض فلاسفة زماننا أن يرددوه مؤمنين به،

<<  <  ج:
ص:  >  >>