ومع ذلك فهم يسرحون ويمرحون، لم يعرض لهم أحد بشر، ولم يأخذهم أولو الأمر بذنوبهم، فلم يقيدوهم بالأغلال، ولم يحملوهم على الجمال ولم يسلطوا عليهم البغايا، ولم يسلخوا جلودهم أحياء ولم يرسلوا بهم إلى مستشفيات المجاذيب، ولم يسلطوا عليهم الصبية يرجمونهم بالحجارة. . .
لم يصنعوا بهم شيئاً من هذا، مع أنهم غلوا أضعاف ما غلا أسلافهم. . . ألا ترى يا أخي أنهم اجترأوا فقالوا إن القرآن هو كلام ألفه محمد؟! ألا ترى أنهم أنكروا ما جاء به محمد جملة؟! وهم قد صنعوا ذلك وأثبتوه في كتب طبعت في العراق وأرسلت إلى مصر فدخلتها دون أن يعترضها معترض، كما دخلت جميع الأقطار الإسلامية دون أن يقف في سبيلها شيء. . . ولماذا يقف في سبيلها شيء ما دامت أقلام المسلمين في أيديهم، وما دامت عقولهم في صدورهم - ورؤوسهم - يا دكتور زكي؟! ليقل الزنادقة ما شاءوا، ولينشروا من كتبهم ما أرادوا، آمنين مطمئنين، ما دام هذا الزمان الذي كانت الدولة تسلخ فيه جلودهم وهم على قيد الحياة قد مضى. . . لقد أبصرت الدولة اليوم، ولقد أبصرت الأمة الإسلامية، فهي لم تعد تلجأ مع الزنادقة إلى تلك الوسائل الهمجية من التمثيل والتعذيب، وما نهى عنه الإسلام الصحيح الصادق من ضروب المثلة. . . لكنها تلجأ إلى وسائل أحزم وأوسع مدى في حرية الفكر. . . إنها تلجأ إلى يقظة الضمير الإسلامي في أقلام أبنائها فتزيف الأفكار الفجة، والآراء السقيمة، فلا يكون زيغ، ولا يكون إضلال، ولا يكون إيمان أعمى بنظرية وحدة الوجود بتخريجاتها المضحكة التي انتهى إليها هذا الأستاذ الجليل، الشيخ معروف الرصافي
على أن الذي يغيظني منك يا صديقي الطلعة المفضال هو اشتدادك في البكاء على حرية الفكر، وهذه كتبك القيمة كلها تحمل من الجراءة ومن الأفكار الحرة، بل الأفكار الطليقة السائبة التي لا تحفل بشيء، ما تحمل، وهي تنتشر مع ذاك بين المسلمين في جميع الأقطار الإسلامية انتشاراً عظيماً، دون أن ينقم منها أحد شيئا، إلا ما استدركه عليها مناظرك الفاضل من ملاحظات يوافقه الناس على بعضها ولا يوافقونه على بعضها الآخر. . . وما أريد أن أدخل بينكما الآن. . . ولكني أردت أن أنفذ من ذلك إلى الاعتذار إليك مما قلته الآن عن بعض أفكارك، والتعبير عنها بأنها طليقة سائبة لا تحفل بشيء. . .