وذلك لما رواه عن دركايم وتلاميذه من أن لكل شعب عقلية تتكيف بتاريخه ونوع نشاطه الاقتصادي وما إلى ذلك مما ينتهي بخلق ما سماه طالبنا نقلا عن هؤلاء العلماء (بالعقل الجمعي)، وهذا هو موضع الداء، فطلابنا يرددون اصطلاحات علمية لا يحسنون فهم مدلولاتها فهم الناقد المستنير، وتبلغ بهم القحة أن يكتبوا للصحف فيما لا يفهمون غير واعين بما قد يكون في هرائهم من تثبيط لهمم أفراد الشعب الذين لم يصيبوا من العلم الزائف مثلما أصابوا. وهأنا ألقي عليه درسا مثل الذي سمعت في أول حياتي:
لا يا بني ليس هناك عقل جماعي كما زعمت أو زعم لك دركايم، وإنما هناك عقل فردي، هناك إرادة حرة، إرادة يجب أن تستيقظ في قلوب أمثالك فتهدم الصخر. لا يا بني ليس هناك جبر تمليه قوانين مزعومة، وإنما هناك نشاط حر، نشاط لا يعرف اليأس. وكم أحزنني من شاب مثلك أن يقول بقيام قوانين تقف دون إرادة هذه الأمة، التي أنت أحد أفرادها، فتردها عن أهدافها القومية. أقلع عن اليأس وبشر بالأمل، وإذا سمعت من حولك من يرمي هذه الأمة بالسوء فرد قوله، وآمن بأنه مهما بلغ بنا الفساد فنحن لابد مقوموه، وأن حافزنا الأول إلى هذا التقويم سيكون العلم الصحيح الذي يؤمن بأن النشاط الإنساني حر، وأن إرادتنا لابد آتية على كافة الصعاب كما أتى مصطفى كمال على صعاب تركيا وستالين على صعاب روسيا، دون أن يقف أمامهما عقل جمعي أو قوانين اجتماعية.