للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ودليلهم على ذلك أنهم يردون أصولها إلى بعض عوامل السياسة الداخلية، فهي في نظرهم تسابق بين فريقين لنيل الحظوة واقتناص الظفر واحتكار الجهاد، وهناك آخرون ممن لا يؤمن بها قطعاً ويرى فيها شراً مستطيراً، فهو ينفر منها على أنها ليست من صنع العرب، وإنما هي من عمل الإنجليز تحمل طابع أيدين وختم وزارة الخارجية البريطانية، ولا سبيل لإقناع الطرفين، وإنك لن تهدي من أحببت، ولكن الله يهدي من يشاء.

كل هذا لا يعنينا بقدر حماس الجماهير للفكرة وتشبثهم بها، وبقاء هذا الحماس حياً ملموساً واضحاً لا يعتريه هبوط أو فتور، وإنا لنأخذ على الجماهير أنها سريعة الحماس لأخذ الفكرة والتمسك حيناً من الدهر بها، ولكنها سريعة التسليم بخطأ هذه الفكرة إذا تأخرت عن تحقيق الأهداف العاجلة، وأن آفة الجماهير هو سرعة الانتقال من الغضب إلى الرضا، ومن الحماس إلى الفتور، ثم من الفتور إلى النسيان، فما الذي أعددناه لكل ذلك؟

الجواب على ذلك أننا لم نعمل شيئاً، إذ لا تزال الفكرة العربية في حاجة إلى حشد جميع القوى العليا في العقل والروح، لتكون عنصراً ثابتاً من عناصر الشخصية المصرية المنبثقة من روح الشعب وإيمانه وتاريخه.

ولقد أحسن الأستاذ عبد المنعم خلاف صنعاً حين أثار موضوع فلسفة العروبة لمّا قال: (إن السياسة ليست دائماً ذات إيمان)! إني أسلم بأن دعوته جاءت في وقتها، فله عظيم الشكر والأجر على إثارتها، وأدعو الله أن يوفق العاملين لتلبية هذه الدعوة، وأن تلقى دعوة العروبة من ناحية رجال الفكر ما تستحق من عناية، حتى تخرج لنا فلسفتها الحية التي سوف تملك النفوس والعقول معاً. وأعتقد أنه يسر إن وجد من يشاركه إحساسه، ومن يشعر بشعوره، فقد ورد شيء من ذلك في تقرير بعثتُ به إلى الحكومة المصرية قلت فيه: (إن مبادئ الحركة العربية ودوافعها لم تتبلور بعد التبلور الكافي في شكل مذهب سياسي وفلسفي، كما أن نشاطها وأهدافها واتجاهاتها لم تأخذ بعد القالب الذي يجعل منها عاملاً قائماً بذاته فيحسب له حساب في الشؤون الدولية مستقلاً عن العوامل الأخرى. ولكن القضية العربية عامة - برغم هذا - قد أصبحت حقيقة تاريخية لها وزنها وأهميتها بدليل تقدم الدول المحاربة وغير المحاربة لخطب ود العرب واستمالتهم والمناداة بصداقتهم، فليس من مصلحة مصر تجاهل هذه القضية والإعراض عنها أو الوقوف إزاءها موقفاً محايداً،

<<  <  ج:
ص:  >  >>