خصوصاً وأن وراء مصر ثلاثة عشر قرناً من التاريخ العربي لها في حقبتها وأدوارها المختلفة مواقف تاريخية خالدة.
كان ذلك في ١٢ مارس سنة ١٩٤١، حينما أتاحت لي الظروف المساهمة بقسط ضئيل في خدمة قضية العرب، وقد مرت الأيام سراعاً، وحققت الفكرة بعض أهدافها السياسية وأخذت طابع العامل المستقل عن العوامل الأخرى في شئون العالم، ولكن لم تتحقق الناحية الأولى، وهي ظهور الفكرة كمذهب سياسي فلسفي.
فهل نؤمل أن تتبنى مصر هذه الفكرة وتخرجها كما تبنت الناحية السياسية؟
إن أشد الناس تفاؤلاً لم يكن يؤمّل نجاح الفكرة العربية هذا النجاح المشاهد اليوم، خصوصاً في مصر دون سائر البلاد العربية، حيث استمرت عوامل الهدم والتفرقة تعمل بنشاط وحماس ضد كل ما هو عربي لسنوات عديدة بغير أن تلقى أي مقاومة، حتى همدت الروح المصرية العربية المستمدة من عناصر الفتح وجهاد القرون الماضية. ولما كانت سنوات الحرب العالمية الثانية بمثابة فترة لا تقل في أهميتها عن نصف قرن من الزمن، جاء تطور الأهداف السياسية وتقارب الشعوب العربية سريعاً جارفاً لدرجة لم تتمكن العقول من استيعاب وتقدير ما مر حولها من الأحداث والتغييرات المفاجئة.
ولذلك لا تستغرب أن تجد الكثير من شباب مصر يتساءلون: ما هي العروبة؟ وما هي أهدافها؟ كيف تكون عربياً ومصرياً في نفس الوقت؟!
وهي أسئلة ليس من السهل الإجابة عليها، ويصعب إقناع ذويها بالقيم العربية إذا لم تكن إفهامهم وعقولهم وآذانهم مستعدة لقبولها، خصوصاً إذا كان بعضهم يجهل التأريخ العربي جهلً تاماً ولا تستهويه حلقات التاريخ المصري في العهود العربية، أو يكون قد تلقى دروس الماضي على طريقة تجعله يأنف منها كلما اتصلت بالعرب وفتوحاتهم ومدنيتهم وثقافتهم وأثرهم في قيادة العالم وشعوبه، فهو مضطر: إما أن يجدد معلوماته، وإما أن يترك الفكرة لغير سبب يبديه!
ونجد أن الجامعة العربية، وقد اختارت القاهرة مركزاً لها، من أول واجباتها أن تحضّر الرأي العام المصري لذلك، وأن تجعل لهذا النشاط قسماً خاصاً به، ولن تهتم بالناحية الفكرية التي تحدثنا عنها لتبنى بناء ثابت الأركان.