القومية بإقامة اتحاد عام من ممثلين للولايات؛ وكان هؤلاء الاتحاديون يدعون إلى الالتفاف حول البابا ليكون زعيم الاتحاد المطلوب، وكان زعيمهم في ذلك جيوبرتي.
وكان مازيني ينكر دعوة هؤلاء وهؤلاء، فلم يكن يرضى إلا بأن تتحد إيطاليا جميعاً فتصبح شعباً واحداً وقطراً واحداً يخضع لحكومة واحدة جمهورية لا ملكية، حكومة مستقلة عن نير الأجنبي ونفوذه، وتستمد سلطانها من الشعب، وتعمل لصالح الشعب؛ على أنه في سبيل الحرص على مبدأ الوحدة قد صرح ذات يوم أنه يقبل أي شكل من أشكال الحكومة ما دامت تقوم على أساس وحدة البلاد. وكان قد استوى على كرسي البابوية عام ١٨٤٦ بيوس التاسع، وكان معروفاً بعدائه للنمسا وبآرائه الحرة ورغبته في الإصلاح، فسرعان ما اتجهت الأنظار إليه في إيطاليا حتى خيل إلى الناس أن دعوة جيوبرتي وأشياعه هي الفائزة بين الدعوات؛ وخطا البابا بعض خطوات حرة كإصدار العفو العام عن جميع المجرمين السياسيين مما انزعج له كبير الرجعيين مترنخ أشد انزعاج قائلاً:(لقد كنا على أهبة للقاء أي نبأ إلا أن نعلم نبأ ظهور بابا حر، أما وقد ظهر هذا البابا، فلا حد لما سنراه في المستقبل).
وسرعان ما تحركت الولايات تطلب الإصلاح على نحو ما يصلح البابا في ولايته، ففي الصقليتين أرغم هياج الشعب الملك على إعلان الدستور، وفي نابلي عجل الملك فأعلنه قبل الهياج، وسرت العدوى إلى ولايات البابا فأعلن فيها كذلك، وكذلك أعلن في تسكانيا؛ وما لبث أن خطا شارل ألبرت هذه الخطوة في بيدمنت، فأعلن الحكم الدستوري على نحو ما حدث في تلك الولايات، وهكذا تشيع المبادئ الدستورية في طول إيطاليا وعرضها.
وانبعثت الثورة في فرنسا فطاحت بالملكية هناك وأعلن الأحرار فيها قيام حكومة جمهورية؛ ولم يقف الأمر عند فرنسا، بل لقد امتدت العاصفة إلى النمسا نفسها فزلزلت الحكومة فيها زلزالاً شديداً وأخذت مترنخ أخذاً أليماً فأسقطته من مركزه العتيد بعد طول تربعه فيه وانبعاث سلطانه منه. وهب الناس على أثر ذلك في لمبارديا يضعون عن أعناقهم نير النمسا، فلم يمض أسبوع حتى طردت الحاميات النمساوية هناك، ثم بادر ملك بيدمنت شارل ألبرت فأعلن الحرب على النمسا وتبعه أمير تسكانيا وسرعان ما أتى الناس من كل حدب ينسلون، كأنهم شعب السيل وساروا أنماطاً من كل طبقة ومن كل حرفة