عالمهم بين جاهلهم وشيخهم بين فتيانهم إلى حيث يلتقون تحت راية بيدمنت، ولم يبق في إيطاليا ولاية لم تأخذ بقسط في هذه الحرب حتى لقد خيل إلى الناس أن حلم مازيني قد تحقق، فها هو ذا علم إيطاليا يخفق على رؤوس الإيطاليين من كل حزب ومن كل ولاية.
وكان الزعيم المجاهد يومئذ في باريس يؤلف قلوب المنفيين من بني قومه هناك على مبادئه، فما أن جاءه نبأ ما حدث في إيطاليا حتى هرع إليها وإنه ليكاد من فرط فرحه أن يطير ومن فرط حماسته أن يشتعل؛ ونزل الزعيم في ميلان إذ لم يكن يستطيع بناء على حكم الإعدام الذي حكم به عليه عام ١٩٣٣ أن يذهب إلى بيدمنت أو إلى جنوة؛ وعرفه رجال الجمارك من صوره التي رأوها من قبل فكانوا يحيونه في حماسة بالغة ويسمعونه من عبارات الوطنية، واستقبله أهل ميلان استقبالاً رائعاً ومشى والزحام من حوله إلى الفندق الذي اختاره لإقامته.
وراح الزعيم القائد يعقد الآمال على فوز هذه الحركة، وكأنما حل اليوم الموعود فتمت رسالته بعد جهاد طويل لاقى فيه ما لاقى من أنواع العذاب وصنوف البؤس والشقاء. . . ووقف مازيني أول الأمر من الحرب موقف السياسي الرشيد، فوجه همه إلى نصرة بني قومه وترك الخلاف على الجمهورية والملكية جانباً فإن هذا أمر يمكن النظر فيه بعد النصر، وأخذ الزعيم يحث الرجال إلى التطوع لنصرة قضيتهم المشتركة لا يتوانى عن ذلك ولا يكل.
ولكنه ما لبث أن حاد عن هذه الطريق الخليق به وأخذ يذيع مبادئه الجمهورية على أساس الوحدة راداً بذلك على الملكيين ودعاة الاتحاد؛ وكان عمله هذا وا أسفاه مما يعرقل سير الحرب فإن من شأن هذا الخلاف أن يشيع في الجند وأن يتسرب إلى المتطوعين؛ وكان الزعيم يعتذر عن فعلته بأن مخالفيه في الرأي هم بدءوا بإثارة الخلاف، ولكن عذره هذا سقيم لا يقبل ممن كانت له مثل مكانته ومثل ماضيه في الجهاد. . . ولعل مسلك مازيني يومئذ كان أكبر أخطاء حياته جميعاً.
وكتب إليه شارل ألبرت يدعوه أن يحث أتباعه الجمهوريين في شمال إيطاليا على الانضمام إلى القائلين هناك بالاندماج في بيدمنت وكانت قد بدأت تظهر لهؤلاء حركة قوية نحو هذا الغرض؛ وذكر الملك في خطابه إلى الزعيم الكبير أنه مستعد للقائه إذا قبل ذلك