ولقد انحصر الخلاف بين الناظرين في هذا الموضوع في نقط ثلاث: الأولى القول بالتعريب؛ والثانية القول بالنحت؛ والثالثة القول بالاشتقاق. ولابد من الكلام في كل نقطة من هذه النقط لنظهر ما وراءها من مناحي القوة والضعف؛ حتى نخلص في النهاية برأي، آمل أن أكون قد وفقت فيه.
أما القول بالتعريب فرأي الذين يريدون اختصار الطريق وأخذ الأمر بنواصيه الظاهرة، دون خوافيه. ولاشك في أن العرب قد نزعوا هذه النزعة، وجنحوا هذا الجنوح. ويريد القائلون بالتعريب أن يتخذوا مما عمل العرب ركيزة يرتكزون عليها تعزيزاً لرأيهم فيه. غير أن هؤلاء لم يفطنوا إلى أشياء من أوجب الواجبات أن تكون دستور القول في مثل هذا الأمر. فالعربي أول شيء قد عرب وفي نفسه سليقة العرب وفي لسانه فصاحتهم وفي لغته بلاغتهم، وهذا أمر يتطلب منا الحكم في من منا يمكن أن يكون ذا سليقة عربية أو ذوق عربي يقارب ذوق الأقدمين أصحاب اللغة؟ هذا شيء. وهنالك شيء آخر فإن العربي لم ينزع إلى التعريب إلا مكرهاُ، بدليل القلة النادرة في ما ورد من الألفاظ المعربة مقيسة على الألفاظ العربية الأوزان الصحيحة الاشتقاق. وهذا يدل على أن قاعدة العرب كانت الاشتقاق على الصيغ التي كان يرى العربي أنها أصلح لأداء المراد. وهذا أمر له من الشأن ما لم يفطن له الأكثرون. ذلك بأني أعتقد أن العربي لم يزن ما اشتق من الأسماء خبط عشواء، وإنما راعى في اشتقاقها سليقة خاصة به. وبعد هذا وذاك ينبغي لنا أن نعرف أن التعريب ليس من السهولة بحيث يتصور الداعون إليه، بل إن من أسماء الحيوان والنبات أكثرية مطلقة يفضل المعرب أن يصوغ لها اسماً عربياً كائناً ما كان على أن يعربها فتكون غليظة غلظ الجبال، لندرة ما يوافق تركيب حروفها جرس تركيب الحروف العربية من حيث المخارج وتلاؤم ذلك في الألفاظ العربية.
على أن جملة هذا القول لا تغني عن التصريح بأننا في حاجة إلى التعريب، ولكن بقصد وقدر معلوم، على أن نتقيد في التعريب بقواعد، أخصها أن يكون المُعَرَّبُ على وزن عربي من الأوزان قياسية أو سماعية حتى يلائم جرسه جرس الكلمات العربية، وحتى لا يحس منه المتكلم بالعربية نفوراً أو يجد فيه تنافراً مع ما تلقى من صيغة نعته الكريمة.
ومع القول بأننا في حاجة إلى التعريب، ينبغي أن نلحظ أن لجوءنا إليه إنما تدعونا إليه