ضرورة قصوى يقف عندها جهدنا في البحث والاستقصاء وتقليب كافة الأساليب بكامل وجوهها.
ننتقل من هذا إلى الكلام في رأي يقول به المؤيدون لنظرية التعريب إطلاقا، وبلا قيد. هم يقولون إن أسماء الحيوان والنبات لغة علمية عالمية، لا ينبغي لنا أن نزايلها بوضع ألفاظ أو مصطلحات عربية تقصينا عن جو العلم. وفي هذا القول وجوه من الضعف ووجوه من القوة. ذلك بأن القائلين بهذا الرأي قد فطنوا إلى حقيقة وغابت عنهم حقائق كثيرة، لم يجعلوا لها وزنا في كفتي الميزان الذي اتخذوه وسيلة للحكم في موضوع من أدق الموضوعات التي تتصل بحياة اللغة العربية.
أما الحقيقة التي لم تغب عنهم، فقولهم بأن أسماء الحيوان والنبات لغة عالمية. وهذا ما ليس إلى نكرانه من سبيل. أما الذي غاب عنهم فحقيقة ذات علاقة شديدة بالحقيقة التي لم تغب عنهم. ذلك بأن أسماء الحيوان والنبات لغة عالمية في اللغات الأعجمية أي في اللغات (الاندوجرمانية)، وليس في اللغات السامية. ولا أظن أن هذا الفارق ضئيل بحيث لا يعتد به، بل على العكس من ذلك أعتقد أن ذلك الفارق من أكبر الفوارق التي تحفزنا إلى القول بأن أسماء الحيوان والنبات إن كانت عالمية في اللغات (الاندوجرمانية)، فلن تكون بالنسبة للغات السامية إلا أسماء غريبة لا تمت إليها بأي سبب من الأسباب.
أضف إلى ذلك أن جهادنا في سبيل اللغة العربية ينبغي أن يتجه متجهاً واحداً، هو أن تصبح هذه اللغة قادرة على الاستقلال بمصطلحاتها العلمية والفنية والأدبية؛ بمعنى أنها تصبح لغة العلم ولغة الأدب ولغة الفن في مدارسنا ومعاهدنا بحيث نستطيع أن نؤدي بها أغراض المعرفة من غير استعانة بلغة أخرى. ولنفرض مثلاً أننا أردنا أن ندخل طرفاً من علم الحيوان في كليات الأزهر فهل يمكن لنا أن ندخله من غير أن تكون اللغة العربية تامة القدرة على أداء المعاني والأسماء الضرورية لدرس هذا العلم الكبير في وسط لا علاقة له بغير اللغة العربية؟ وكيف تصبح اللغة العربية وافية بمطالب العلوم والفنون، ما لم تكن تامة الوسائل لأداء أغراض العلم لطلاب لا يعرفون غير العربية؟ وهل من الممكن بعد هذا أن ندرس هذا العلم ونحشو العبارات العربية الصريحة بألفاظ يونانية ولاتينية، لا ينطقها أهلها الأصليون في بعض الأحيان إلا بصعوبة؟ وليجرب معي بعض حضرات طلاب