للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وبعد أن خذلته الظروف، وتنكر له الرجال وضايقوه على صورة لم يكن يطيقها غيره. . .

أراد الجنوبيون أن يقوموا بهجوم قوي على العاصمة الشمالية فيضربوا الاتحاد الضربة الحاسمة، فزحف قائدهم الكبير لي بجيشه فعبر نهر بوتوماك وسار حتى أصبح على بعد خمسين ميلاً أو نحوها من وشنجطون في مكان يدعى جتسبرج، وهناك التقى به جيش الشماليين بقيادة ميد وهو قائد جديد جعله لنكولن على رأس جيش البوتوماك بعد أن ضاق بتلكؤ سلفه.

ودارت في هذا المكان معركة عنيفة دامت ثلاثة أيام، وقد استبسل الفريقان فيها واستقتلوا وتوالى بينهما الجزر والمد، وكأنما طاب لهم الموت فتسابقوا إليه جماعات، وانتهى الصراع بانسحاب لي ولكن في ثبات واطمئنان. فكانت هذه المعركة التي سقط فيها أكثر من عشرين ألفاً من الضحايا فاتحة الانتصارات الكبيرة لأهل الشمال. وما أن وصلت أنباؤها إلى العاصمة حتى تدفق الناس إلى حيث يجلس الرئيس وهم من فرط ما قد سرهم من النبأ لا يدرون ماذا يفعلون للتعبير عما في نفوسهم نحو رجلهم، نحو هذا الحصن الحصين وهذا العتاد المتين.

وكان هذا النصر الباهر في اليوم الثالث من يوليو عام ١٨٦٣ ولقد نام الرئيس ليلته ملء جفونه لأول مرة منذ قامت الحرب، وفي اليوم التالي حمل إليه البرق رسالة من القائد جرانت، وكانت له القيادة في الغرب على ضفاف المسيسبي. . . وفض الرئيس الرسالة فإذا جرانت ينبئه أن قد سقطت في يده فِكِسبرج. . . وكانت هذه المدينة تسمى (جبل طارق) المغرب، إذ كانت مفتاح النهر إلى الجنوب. ولقد جمع فيها أهل الجنوب ما استطاعوا من قوة وعدة؛ وكان جرانت قد اتجه إليها منذ فاتحة ذلك العام، وكان هو وجنوده يلقون النار الحامية من المدافعين عنها، ولكنه لم يعبأ بما كان يلقى، ولبث يعمل في صمت وهدوء حتى أحكم الخطة فأحاط بالمدينة، وأتى حاميتها من فوقهم ومن أسفل منهم وما زال بهم حتى أجبروا على التسليم تاركين في يده ثلاثين ألفاً من الأسرى وعدداً هائلاً من البنادق والأسلحة ومقداراً كبيراً من المؤونة والزاد. . .

ولا تسل عما فاض في العاصمة الشمالية من مظاهر الجذل والحبور؛ فلقد شعر الناس بقرب انكشاف الغمة والتمعت في سمائهم بوارق الأمل في النصر النهائي بعد هذا العذاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>