للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولم يستدع إشرافه واهتمامه بعد تلك المعارك العنيفة بينه وبين خصوم الجمهورية إلا حادث وقع سنة ١٦٥٥ فاهتز له البروتستانت في أوربا كلها، واهتم به كرمول اهتماما عظيماً، وشايعه في ذلك ملتن وامتلأت يده بسببه بالمكاتبات وذلك هو مذبحة بيدمنت؛ وخلاصتها أن شارل عما نويل الثاني دوق سافوي وأمير بيدمنت، قد أنذر البروتستنت في بيدميت منه بريح عاتية فعليهم أن يعتنقوا الكاثوليكية وإلا فليخرجوا من ملكه في مدى عشرين يوماً، وكأنما رأى هذا الأمير أن المذاهب حتى الدينية منها كالثياب لا يكلف الناس فيها إلا استبدال ثوب بثوب! ورفض البروتستنت في بيدمنت أن يذعنوا لهذا الطغيان وآثروا أن يذوقوا العذاب ألوانا، فأرسل عليهم الملك طائفة من جنده أكثرهم من المرتزقة، وما فيهم إلا كل فظ غليظ القلب كأنما قدمت كبده من صخر فأخذوا يذبحون من يلقون أو يقذفون بهم رجالا ونساء وأطفالا من فوق الجبال إلى الأودية ولقد وجد الناس أما ورضيعها في قرار سحيق في أحد الأودية، قد ألقى بهما من فوق الجبل، أما الأم فكانت جسداً هامدا ولكنها كانت تحتضن بيديها الميتتين الباردتين رضيعها ولما يزل على قيد الحياة. . .

وضج البروتستنت في أوربا بالسخط، وقال كرمول إن الحادث قد مس قلبه كما لو كان يتصل بأقرب الناس إليه وأعزهم عنده، وأمر فجمع الشعب الإنجليزي أربعين ألف جنيه معونة للمنكوبين، وأحتج كرمول، وأخذ يتأهب ليعقب احتجاجه بتدخل مسلح لولا أن تداركت فرنسا الأمر، وحملت شارل عما نويل الثاني على سحب قراره. فعاد إلى البروتستنت في بيدمنت الأمن والهدوء.

ولم يقتصر ملتن على إملاء رسائل الحكومة؛ بل أعلن سخطه في مقطوعة من أقوى مقطوعاته الشعرية ومن أكثرها ذيوعا قال: (انتقم أيها المولى العلي لقديسين. المذبوحين الذين تتناثر أعظمهم على جبال الألب الباردة، فقد حل العذاب حتى بهؤلاء الذين حافظوا على دينك الحق خالصاً كما كان في عهده الأول في حين كان يعبد آباؤنا الأوثان والأحجار؛ لا تنسهم أيها المولى، وسجل في كتابك أنين هؤلاء الذين كانوا قطيعك والذين ذبحهم في قرارهم القديم أولئك السفاحون من أهل بيدمنت، وألقوا بالأم وطفلها من حالق فوق الصخور ترميهم صخرة إلى صخرة؛ لقد كان لأناتهم في الأودية صدى رفعته إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>