للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

التلال، ونقلته التلال إلى السماء؛ انثر أيها المولى دمائهم الشهيدة وأشلاءهم على حقول إيطاليا كما تنثر البذور حيث لا يزال يتسلط الطاغية الثلاثي عسى أن ينمو من هذه مائة نمو فيكون منها جيل يعجل وقد علم سبيلك بالقضاء على هذا الكرب البابلوني).

وجنح ملتن إلى العزلة بعد هذا الحادث، وكان يقضي اكثر الوقت في بيته، يقرأ له ابن أخته أو غيره من تلاميذه القدامى أو من محبيه من المتأدبين حاشيتي النهار وطرفاً من الليل، وكان يدير في رأسه في تلك الأيام ما عسى أن ينهض له من الشعر. ففكر في أن يجعل موضوعه بطولة الملك آرثر، ذلك الموضوع الذي فكر فيه من قبل فينظم الآرثريادا كملحمة يسجل فيها فترة من تاريخ قومه؛ ولكن أكثر اتجاهه كان إلى موضوع آخر كما يذكر ابن أخته وذلك هو (قصيدة من قصائد البطولة عنوانها الفردوس المفقود)، واقتصر جهده على التدبير في هذا الموضوع والصورة التي يصوغه فيها وقراءة ما يتصل به، وكان أول الأمر يريد أن يتخذ نوعاً من المسرحيات لباساً له؛ على أنه كما يذكر ابن أخته فيلبس لم يبدأ نظم قصيدته فعلاً إلا سنتين قبل عودة الملكية أي سنة ١٦٨٥. . .

وكانت الحكومة قد أسكنت ملتن هويت هول في أول عهده بالوظيفة، ولكنه لم يلبث هناك طويلاً فاستأجر بيتاً على مقربة من حدائق سان جيمس وعاش فيه منذ سنة ١٦٥٢، وفي هذا المنزل أقام ملتن حتى سنة ١٦٦٠ حيث أجبرته عودة الملكية إلى الاختفاء حينا لينجو بنفسه من الهلاك.

وكان يزوره في منزله أصدقاؤه، وهم بين تلميذ له جاوز مرحلة التعلم أو معجب به من المثقفين، وقل في زائريه من كان من المبرزين من رجال العصر في الأدب أو في السياسة أو في الدين، وذلك أن اعتداد ملتن برأيه وتعاليه بثقافته جعلا بينه وبين أكثر الناس ممن يرون أنفسهم أندادا له حجابا كثيفاً، فكان هؤلاء يرمونه بالكبرياء والصلف ويكرهون منه أن ينظر إليهم من على نظرة ترفع وتحفظ وإعراض، هذا إلى أن آراءه الدينية قد باعدت بينه وبين النابهين من البرسبتيرنز، وميوله السياسية قد جعلت من الملكيين أعداء له، وعنفه في الخصومة قد ألقى في روع الناس أن من يتصل به لا يأمن أن يصبح من عدوه لأقل خلاف في الرأي أو العقيدة.

ويجب أن نضيف إلى تلك الأسباب محبته للعزلة منذ أيامه في هورتون وعكوفه على

<<  <  ج:
ص:  >  >>