وقصيدة شكسبير تختلف من أجل أن الخطيب كان مضطراً أن يداهن الذين يريد إثارة الرومان عليهم، فحمدهم على أن سمحوا له برثاء يوليوس قيصر، ونفى عن نفسه العداء لهم كما نفى عن نفسه القدرة تمهيداً لإظهار قدرته، وكي يظن السامعون أن أثر المأساة هو الذي أثارهم لا قدرته الخطابية. ثم جعل يمدح قتلة يوليوس قيصر ومزج مدحه إياهم بالسخر الخفي، ثم ذكر فضل يوليوس قيصر على الرومان وكشف لهم عن جثته وأراهم جروحه الدامية وجعل يستدرجهم من طريق الرحمة والإقرار بفضل المقتول إلى النقمة على القتلة ومجاهرتهم بالعداء والتشنيع، وابن الرومي لم يكن في حاجة إلى مداهنة صاحب الزنج فكان يسميه اللعين من أول الأمر، ويكيل له الهجاء صاعا بعد صاع، ولكن انظر كيف يتدرج من التوجع لما حل بالبصرة إلى وصف دقيق لما أصابها من الزنج، ويبدأ وصفه بدخول الزنج المدينة فيقول:
دخلوها كأنهم قطع اللي ... ل إذا راح مدلهم الظلام
ثم يذكر كل ما حدث من قتل وذبح وهتك للأعراض وسبي وإحراق وتخريب وتمثيل حتى يأخذ الفزع بالقارئ مأخذه ثم يلتفت إلى الذكرى فيتذكر رخاء أهلها ونعيمهم وعمار المدينة وبهجتها، ثم يتوجع ويظهر الحياء من خذلانهم، ويذكر الناس بمحاسبة الله ومخاصمة النبي إياهم
ثم يلوح للناس بالعار اللاحق بهم ويحضهم على الأخذ بثأر أهل البصرة. والقصيدة طويلة تقع في أكثر من ثمانين بيتاً، ولما كان أثرها الخطابي يزداد من تراكم قول على قول وإثارة على إثارة لا من بيت القصيد أو من قطع ممتازة. فكل اقتطاف منها لا ينصفها، ولاسيما أن أسلوبها ليس بالأسلوب الذي يقرأ في دعة لديباجته بل يقال جهراً مع تنويع الصوت حسب مرمى الشاعر الخطيب
ويخل لي أن حافظ إبراهيم كان متأثراً بروح هذه القصيدة عندما نظم قصيدته في رثاء قصر الجزيرة وقصيدته في زلزال مسينا
ومن تكرار ابن الرومي المطرب المؤثر ترديده اللهف في قوله: