الناس، ونفسه تفيض بمعان شتى، وبين عينيه صورة لا تفارقه، وفي قلبه وجيب لا يهدأ، وعلى طرف لسانه كلام. . . فلما بلغ أدى إلى كل ذي مال ماله، ثم قال:(يا معشر قريش، هل بقى لأحدكم منكم عندي مال؟) قالوا: (لا، فجزاك الله خيراً، فقد وجدناك وفياً كريماً.) قال: (فأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله. والله ما منعني من الإسلام عنده إلا تخوف أن يظنوا أني إنما أردت أن آكل أموالكم، فلما أداها الله إليكم وفرغت منها أسلمت. . .)
وخرج أبو العاص بن الربيع إلى المدينة يهديه نوران في قلبه وأمام عينيه، وسار في مثل موكب العروس تتدافعه المنى على رمال الصحراء، إلى حيث يجد نور اليقين وأنس الحبيب، في حديث محمد وفي وجه زينب، وتلاقى الزوجان المتحابان مرة ثانية، بعد فراق طويل مر من دونه سنوات وسنوات، ولكن الزوجة الوفية كانت قد أدت واجبها وفرغت من دناياه حين هدتِ الرجل الذي أحبته ووفت له بمقدار ما أحبها ووفى؛ فما مضى زمان بعد هذا اللقاء استكمل فيه الرجل أسباب دينه، حتى كانت هي قد استوفت أنفاسها على الأرض؛ وماتت زينب ولكنها خلفت ذكرى أطيب الذكرى، وضربت المثل أبلغ المثل، في وفاء الزوجة، وإخلاص المحبة، وصدق الإيمان