للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الفرح، وسرني من هذه الكلمة أكثر ما يسرني أن يقال لي: أنت أمير المؤمنين

وصحت بأصحابي فقاموا كالأسود

عالجنا السيارات حتى أخرجناها من الرمل، وملنا بها عن هذه الكثبان حتى ألقيناها عن أيماننا، وانتهينا إلى أرض شديدة درجت عليها السيارات، فاستندت إلى النافذة، وأطلقت نفسي تطير في سماء الأماني، فلم ادع صورة للمدينة إلا تصورتها، وأقمتها أمام عيني، وأفضت عليها ما أستطيع من الجمال والجلال، فلا أطمئن إليها، ولا أجدها إلا دون ما في نفسي. . . ولم يكن يربطني بالأرض إلا صوت الدليل، وهو يهتف بالسائق:

- سر يميناً، مل شمالاً، لج بين هذين التلين، دع هذه القارة على اليمين، احترس من هذا الشعب، تنكب هذه الرملة. . ثم يعود السكون

سرنا أربعين كيلاً أخرى، ولا تزال هذه الجبال تلوح في الأفق كأنها خيال حلم بعيد، يشع منها نور غريب، يومض من وراء القفر، كما يومض الأمل المشرق في ظلمة اليأس، وكنا قد شارفنا سكة الحديد فتخطيناها مستعبرين، ودخلنا في أودية مالها آخر غابت عنا فيها الجبال التي كنا نراها، فنستأنس بمرآها وقاسينا فيها من الشدائد من التواء الأرض وكثرة الأحجار وتشابه المسالك، ولم يكن فينا من ينبس، إلا أن يعرض لنا جيل أو شعب فأسأل الدليل عن اسمه لأكتبه في دفتري الذي سرق مني في آخر الرحلة. . . ثم أرجع إلى صمتي الطويل

فلما زال النهار، صاح بي الدليل:

- هيه. أنت يال كاتب. أكتب: هذا أحد!

- فصحت: إذن قد وصلنا

- فقال: ما قلت لك الظهر، هذا أحد، بقي نصف ساعة.

لم يكن يدري الدليل الإعرابي أي ذكريات انبعثت في نفسي حين قال: هذا أحد! وأي عالم تجلى لعيني، فرأيت المعركة قائمة والمسلمين ظافرين، قد منحهم الله أكتاف العدو، ورأيت الرماة إذ يزلون عن أماكنهم، يبتدرون الغنائم، وخالداً حين يرتد بخيله على هؤلاء الذين عصوا أمر الرسول وغرتهم الدنيا، ورأيت النبي صلى الله عليه سلم ثابتاً مثل أحد، وحوله صحابته الغر الميامين، يذبون عن الدين، ويحمون حمى النبوة، ثم أبصرت هنداً قائمة على

<<  <  ج:
ص:  >  >>