للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

جثة البطل السميذع، سيد الشهداء، وكان قد أكل من بدر كبدها، فأرادت أن تأكل كبده، فشقت عنها فاستخرجتها فلاكتها، فلما وجدت بفيها صلادة الصوان لفظتها

وأبصرت النبي صلى الله عليه وسلم وافقاً عليه يبكي، فلما رأى ما مثل به شهق، ولم يكن منظر أوجع لقلبه منه، ثم قال:

رحمك الله يا عم، فلقد كنت وصولاً للرحم، فعولاً للخيرات، فوالله لئن أظفرني الله بالقوم لأمثلن بسبعين منهم، فما برح حتى هبط عليه الوحي، فقام يتلو قول الله جل وعزّ:

(وإن عاقَبتم فَعَاقِبُوا بمثل ما عُوقبتم بهِ) فانصرف وقد عفا

ورنّ في أذني صوت أبي سفيان: أعل هبل، فتلفت، فما رأيت هبل، ولا شيعة هبل، وإذا هو قد درج مع من درج، لم يبق إلا الله الأعلى الأجل، ثم سمعت صوت أبي سفيان يرنّ في أذني مرة ثانية، يخرج من هناك من أرض الشام، التي فتحها لهم سيد العالم، قوياً شديداً، ينادي في المعركة الحمراء، بصوت سمعه كل من في اليرموك:

يا نصر الله اقترب، الثبات الثبات، يا معشر المسلمين. فثبتوا وجاءهم النصر وملكوا سورية من أقصاها إلى أقصاها فهي لهم ولأبنائهم إلى يوم القيامة، ورأيت مئات من مثل هذه الصور، فأحسست كأنما انتقلت إلى العهد الأول، أشهد هبوط الوحي، وأرى جلال النبوة وعز الإسلام. . .

ونظرت، فإذا أحد لا يزال بعيداً، يعترض هذا الوادي الذي نسير فيه مشرقاً بهياً، تومض عروقه المختلفة الألوان من الأخضر البهيّ، إلى الأحمر المشرق، إلى الأزرق اللامع، فتمتزج هذه الألوان وتختلط، فيكون لها في العين أبهى منظر، وفي القلب أسمى شعور، فازداد بي الشوق، فأقبلت أحتث السائق وأستعجله، أود لو تطوى له الأرض طياً ويطير بنا إلى المدينة طيراناً، فلا أرى السيارة تريم مكانها، أوجد أحداً لا يزال بعيداً، فأعود فأستحث السائق. . . وما لي لا أسرع إلى أحد وأحبه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحد جبل يحبنا ونحبه. وما لي لا أزداد شوقاً إلى المدينة، وليس بيني وبينها إلاّ ربع ساعة؟

وأعظم ما يكون الشوق يوماً ... إذا دنت الخيام من الخيام

ولما خرجنا من الوادي، وانتهينا إلى الفضاء الرحب، رأينا وجه أحد وعلى سفحه النخيل والبساتين، ورأينا سلعاً وهو جبل أسود عال، يقوم حيال أحد فيحجب المدينة وراءه، فلا

<<  <  ج:
ص:  >  >>