للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أطراف الأمة الثلاثة فتنبسط لتنقبض، وتتسع لتضيق، ولكن القوة التي كان الملك يستمدها من صبره وحكمته وجرأته وخبرته وذكائه كانت في الكثير الغالب تشد الطرف الراجح إلى يده، فيسير في الإصلاح بالقدر الذي يبقي على هذا التجاذب من الإمكان والقدرة. ومع ذلك كان التقدم في عهده على محافظته وأناته محسوس الأثر؛ فلقد تعهد منابت الثقافة فغذاها بعونه، وتفقد منابع الثروة فرفدها بعنايته، وبسط رعايته على كل أمر من أمور الدولة وكل شأن من شئون الأمة حتى لا تجد عملاً من الأعمال العامة إلا كان فيه بسطة من لسانه أو يده

ولعل أشرق وجوه الإصلاح في عهد المليك الراحل ما اتصل منها بالجمعيات الاقتصادية والمؤسسات العلمية والمؤتمرات الدولية والمتاحف الأثرية والمرافق العامة؛ أما الأعمال الفردية والجهود الأدبية فكان نصيبها من حكمه السعيد كنصيبها من حكم جده الأعلى محمد علي. على أن عناية المليك العظيم بها قد بدت بواكيرها المرجوة في مثل بنك التسليف ومجمع اللغة؛ فلو مد الله في عمره الحافل المبارك حتى تنضج لكان عصره أشبه بعصر لويس الرابع عشر

كان الملك فؤاد بالرغم من عوامل نشأته، وعلى النقيض من ميول أبيه، شديد التعلق بدينه، قوي الحرص على شرقيته؛ يكره أن يجعل من مصر قطعة من أوربا، ويجب أن تظل دولة إسلامية شرقية لها تقاليدها الخاصة، وأسانيدها المتصلة، وسماتها المميزة، فساعد الحجاب، وأيد الطربوش، وعضد الدين في كل خلاف بينه وبين التطرف؛ وكان من ذلك شيء من التصادم المكبوت بين الرغائب الوثابة الشابة، وبين هذه الأناة الملكية الحكيمة

إن من العسير على المنطق النزيه أن يحكم اليوم على أعمال مليكنا العالم العامل الكفء، فإنها إنما بدت للناس على ألسنة رجال البلاط، وعلى أيدي رجال الحكومة؛ والبلاط قد يتأثر بشهوات الناس، والحكومة قد تتأثر بنزوات الساسة. ومهما يقل التاريخ في العصر الفؤادي فسيسجل بالخط البارز أنه عصر الرخاء للنيل، وعهد الاستقلال للأمة، وفجر النهضة في مصر

عز الله مصر عن ملكها العظيم الفقيد، وبارك الله لمصر في ملكها العزيز الجديد

أحمد حسن الزيات

<<  <  ج:
ص:  >  >>