للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غير قياسه، وقد يكون لكل منهما وجه، ثم يحكم على الكتاب كله بأنه سخيف لا يقرأ، وضعيف لا يعيش!. ثم أصبح اليوم يعرض للموضوع فيقول: هذا قديم لأنه يدور على بحث في تاريخ الشرق، أو على معنى من معاني الدين، أو على أثر من آثار البلاغة؛ وهذا جديد لأنه يقوم على حادثة من حوادث الغرب، أو على رجل من رجال الأكاديمية أو على غانية من غواني المسرح؛ هذا مقلد لأن أسلوبه شريف ممتنع، وهذا مجدد لأن أسلوبه مبتذل ممكن! ثم تعصف بأقلامهم اللينة نخوة الحفاظ وحماسة الفتوة فيصيحون:

أميتوا أدب العاصفة وأحيوا أدب القوة!

أبيدوا أدب الخاصة وأوجدوا أدب الشعب!

انبذوا أدب المقالة ألزموا أدب القصة!

صيحة قرارها حق ومقالها باطل! فأن إجماع الناس واقع على أن خلو الأدب الحديث من أدب الشعب وأدب القصة خلل لابد أن يسد، ونقص لابد أن يكمل؛ ولكن من الذي يقول ويعني ما يقول: إن وجود هذه الأنواع يقتضي عدم الأخرى؟ إن لكل فن من الأدب طبقة من الناس تتذوقه، فإذا منعتها إياه طلبته. والناقص لا يكمل برفع نقص ووضع نقص؛ والبناء لا يتم بهدم ركن وإقامة ركن

أرأيتك إذا كان الأدب كله قوياً يخشن الصدور، وحماسياً يؤرّث الحفائظ المريرة، ويترجم أشجان القلوب الكسيرة، ويرقق حواشي الأنفس الجافية؟

أرأيتك إذا كان الأدب كله شعبياً يعبر بألسنة السوقة، وينقل عن عواطف العامة، أفما كنت تقول: أين الأدب الذي يرضي أذواق الخاصة فيجمع بين سمو الفكرة ونبل العاطفة وقوة الأسلوب في صورة من الفن الرفيع تسمو بالنفوس إلى المثل الأعلى، وتغمر الشعور بالجمال الخالد؟

الأدب صورة النفس فلا بد أن ترتسم فيه مشاعر الفرد؛ والأدب مرآة الحياة فلا بد أن تنعكس فيه ألوان المجتمع. وما دام في الناس الحساس والبليد، والخوار والجليد؛ وفي الدنيا التفاوت الذي يوجد التمايز، والألم الذي يفجر الدموع، واللذة التي تبعث المسرة، والمدنية التي تخلق التنوع، فلا بد أن يكون الأدب الصحيح صدى لكل ذلك

ليست وظيفة النقد أن يهدم أو يميت أو يشترع. تلك وظيفة الطبيعة التي تطور كل شيء،

<<  <  ج:
ص:  >  >>