(جمع لا يحصى، من شام وبربر وعرب وروم خوارج. وفرس وقبط وتتر عصبة واحدة. يجمعها إيمان هائم راسخ الفتوة. وحمية مضطرمة واخوة مروعة. ولم يك الزعماء أقل ثقة بالنصر. وقد شمخوا بطول ظفر. يهيمون بتلك القوة الجارفة التي أيقنوا أنها كما اندفعت حيثما كانوا بلا منازع ستندفع ظافرة إلى الأمام حتى يصبح الغرب المغلوب كالشرق. يطأطيء الرأس إجلالاً لاسم محمد. وينهض الحاج من أقاصي المنجمد. ليطأ بأقدام الإيمان الرمال المحرقة. المنتثرة فوق صحراء العرب وأراضي مكة الصلدة)
ونفذ عبد الرحمن في جيشه الزاخر إلى فرنسا كما قدمنا في ربيع سنة ٧٣٢م (أوائل سنة ١١٤هـ) واقتحم وادي الرون وولاية اكوتين وشتت قوى الدوق أودوا طبق ما أسلفنا، وأشرف بعد هذا السير الباهر على ضفاف اللوار. وتقول بعض الروايات الكنسية أن أودو هو الذي استدعى عبد الرحمن إلى فرنسا ليعاونه على محاربة خصمه (كارل مارتل). ولكن هذه الرواية مردودة غير معقولة لما قدمنا من أن أودو هو الذي بادر إلى مقاومة عبد الرحمن ورده، وكانت مملكته وعاصمته أول غنم للمسلمين. وكان ملك الفرنج يومئذ تيودريك الرابع، ولكن ملوك الفرنج كانوا في ذلك العصر أشباحا قائمة فقط. وكان محافظ القصر كارل مارتل هو الملك الحقيقي يستأثر بكل سلطة حقيقية وعليه يقع عبء الدفاع عن ملكه وأمته، وكان منذ استفحل خطر الفتح الإسلامي يتخذ أهبته ويحشد قواه، ولكن عبد الرحمن نفذ إلى قلب فرنسا قبل أن يتحرك للقائه. وترد الرواية الإسلامية هذا البطء إلى خطة مرسومة مقصودة فتقول في هذا الموطن (فاجتمعت الفرنج إلى ملكها الأعظم قارله وهذه سمة لملوكهم، فقالت له ما هذا الخزي الباقي في الاعقاب؟ كنا نسمع بالعرب ونخافهم من جهة مطلع الشمس حتى أتو من مغربها استولوا على بلاد الأندلس وعظيم ما فيها من العدة والعدد يجمعهم القليل وقلة عدتهم وكونهم لا دروع لهم. فقال لهم ما معناه: الرأي عندي ألا تعترضوهم في خرجتهم هذه، فانهم كالسيل يحمل من يصادره، وهم في إقبال أمرهم، ولهم نيات تغني عن كثرة العدد، وقلوب تغني عن حصانة الدروع، ولكن أمهلوهم حتى تمتلئ أيديهم من الغنائم ويتخذوا المساكن ويتنافسوا في الرياسة ويستعين بعضهم ببعض، فحينئذ تتمكنون منهم بأيسر أمر) ونستطيع أيضا أن نعلل تمهل كارل مارتل بقصده إلى ترك خصمه ومنافسه أودو دون غوث حتى يقضي المسلمون على ملكه