للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بينه وبينه، وان كان من القائمين به، والممثلين فيه. . .

. . . ففتح عينيه، وراح يحدق في الظلام

رأى دمشق في أواخر القرن التاسع عشر - وهي ولاية عثمانية - ورأى ناظم باشا (والي دمشق) وقد اصبح ذات يوم لقسَ النفس ضيق الصدر، فأقبل على عمله فلم يجد له عزماً. فعمد إلى المطالعة والتسلية فلم يزد إلا ضيقاً. فأمر أعوانه أن يتمموا له منزلاً جميلاً مشرفاً، فينصبوا فيه خيامه، ويعدوا فيه مجلسه، ليصطبح فيه، وينزله بقية يومه. فتسابقوا إلى طاعته، وتباروا في خدمته، فلم تكن إلا ساعة واحدة حتى كان المجلس معداً. فلما جلس واطمأن نظر فرأى منظراً عجيباً، ما رأى له مثيلاً وقد جاب أنحاء المملكة: رأى كأن أمامه متحفاً للطبيعة فيه من كل مشهد صورة، ومن كل لون مثال؛ فحواليه تلال وسفوح ما لها حدّ، وعن يمينه جبال صخرية قائمة فيها روعة وعليها جمال، ومن أمامه (يزيد) يجري زاخراً مزبداً يحيط بهذه السفوح ويحدق بها، وهو يلمع في شعاع الشمس فتخاله العقد مستديراً بجيد حسناء، ومن وراء النهر الغوطة الخضراء، إحدى عجائب الدنيا، تمتد إلى نهاية الأفق، والمزة وصحراؤها الواسعة، وسهولها الفيح، فلم يكن يشاء أن يرى جبلاً ولا نهراً ولا خضرة ولا بادية إلا رآها، والسماء تبدو حيال الأفق كأنها البحر، يا لروعة البحر في دمشق. .!

ودمشق تظهر من بعيد، وهي نائمة على هذا البساط السندسي الأزلي، عليها غطاء من نسج الغصون موشي بالزهر، وقد هبت عليها نسائم الصباح الرخية، تمس وجهها مساً رفيقاً، وسقسقت في أذنيها العصافير توقظها برقة ولطف، وهدر في مسامعها بردي يهزها كي تفيق. . .

والجامع الأموي يظللها بقبته المشمخرة العالية، ومآذنه الطويلة السامقة، وبنائه الضخم الهائل، الذي يحمل أعباء القرون الثلاثين التي مشت عليه، مذ كان معبداً وثنياً - إلى أن صار - كنيسة نصرانية، إلى أن سما فكان مسجداً إسلامياً، يجهر فيه بالآذان، فيرن صداه على ضفاف الكنج، وشاطئ اللوار، ويقوم الناس إلى الصلاة صفاً واحداً ممتداً من قلب الهند إلى قلب فرنسا

فانتفي عنه الهم، وطار به السرور، فسأل من حوله:

<<  <  ج:
ص:  >  >>