وضيفته ترقية الأخلاق، إن هو إلا مظهر من مظاهر رقي الإنسان وتحضره، وناحية من نواحي حياته الاجتماعية يجب عليه أن يخضع لما يخضع له سائر مناحي تلك الحياة من مقاييس خلقية فيها صلاح المجموع
فإذا لم يكن واجب الأدب الوعظ والإرشاد إلى الخلق القويم فواجه الذي لاشك فيه ألا يصادم الخلق القويم ولا يتحدى تقاليد المجتمع الصالحة، وواجبه أن يتجه ما استطاع وجهة الخير ويتنكب مواضيع الفساد ودواعي التبذل، وكل اثر أدبي مهما بلغت براعته وصدقه ودل على عبقرية صاحبه، إذا خالطه الفجور والإفحاش واتسم بالاستهتار وتوخي الهنات والسوءات، لابد أن يمجه الذوق السليم وينفر منه الطبع الكريم، لما فيه من منافاة للأخلاق السامية التي يأخذ نفسه بها كل متحضر متهذب متثقف ويدرج عليها حتى تتأصل فيه وتصير له طباعاً ثانية
كانت للعرب في الجاهلية أمثلة عليا من الأخلاق الفاضلة التي تمليها حياة البادية، كالشجاعة والذود عن الذمار والدفاع عن الحريم والجود والقناعة وإجارة المستجير؛ وحول التمدح بتلك الأخلاق يدور جانب عظيم من الشعر الجاهلي، يعزو الشاعر تلك الفضائل إلى نفسه تارة كما فعل عنترة في معلقته، وإلى قومه عامة كما فعل عمرو بن كلثوم ولبيد والسموأل، وإلى ممدوحه كما كان يفعل زهير والأعشى، ولبعض أشراف الجاهلية كالأفوه الأودي وحاتم الطائي وذي الإصبع العدواني، وآثار في ذلك رائعة ببلاغتها وقوة أسرها وسمو منزعها، ويرسلها بعضهم قصيداً رصيناً، وبعضهم يرسلها نصائح للمخاطب، ويصوغها بعضهم وصايا إلى أبنائهم، وبعضهم يجعلها حواراً بينه وبين زوجه على تلك الطريقة العربية الجميلة؛ وطلب العرب حسن الأحدوثة وطيب الأثر، ولم يدخروا في ذلك قولاً أو فعلاً، قال حاتم الطائي:
وتذكر أخلاق الفتى وعظامه ... مغيبة في اللحد بال رميمها
وبديهي إن التمسك بكل هاتيك المثل العليا الخلقية لم يكن ديدن جميع العرب ولا التغني بها دأب جميع الشعراء، بل كانت أسباب الشر والفجور موفورة، ودواعي المجون والخلاعة عديدة، تتجلى في سيرة امرئ القيس الذي لم يكن يكاد يفيق غراماً أو خماراً، وحياة طرفه التي صورها في معلقته، حيث وصف ثلاث حاجاته في الحيات، فمنهن سبقه العاذلات