بشربة كميت، وتقصير يوم الدجن ببهكنة تحت الخباء المعمد، وكره إذا نادى المضاف محنباً، وكان ذيوع المفاسد قبيل ظهور الإسلام سبب ظهور كثير من الحكماء الذين اخذوا أنفسهم بالزهد ودعوا إليه، كما اخذ كثير من أشراف العرب أنفسهم بمجانبة الخمر والقمار ونحوهما، ومن أولئك عامر بن الظرب الذي يقول وقد حرم في جماعة من السادة الخمر على أنفسهم
أقسمت بالله اسقيها واشربها ... حتى يفرق ترب القبر أوصالي
مورثة القوم أضغاناً بلا إحن ... مزرية بالفتى ذي النجدة الحالي
وظل أكثر المثل العليا الأخلاقية في الإسلام كما كان في الجاهلية، بعد أن هذب الإسلام من حواشيها وكفكف من غلوائها، فتمدح شعراء الإسلام بالفضائل كالكرم والوفاء وحسن الجوار وكتمان السر والحلم عن السفيه والتصون عن الفحشاء والترفع عن المماراة والمجازاة بالحسنة عن السيئة، كما فعل مسكين الدارمي وأوس بن معن، والمقنع الكندي والشريف الرضي، وتفاخروا بالبلاء في الحروب والإباء على الضيم والتعالي على الجهال وطلب السيادة والمعالي، كما فعل أبو فراس والمتنبي، ومدح الشعراء ممدوحيهم بهذا وذاك، ورموا مهجويهم بأضداد تلك الفضائل، وتهكموا في مداعباتهم بالبخلاء والجبناء والمنهزمين والأدعياء والمتطفلين. ومن محاسن أشعار امتداح الخلق الكريم قول سالم بن وابصة الذي يتمثل فيه الروح الإسلامي:
أحب الفتى ينفي الفواحش سمعه ... كأن به عن كل فاحشة وقرا
سليم دواعي الصدر لا باسطاً أذى ... ولا مانعاً خيراً ولا قائلاً هجرا
إذا ما أتت من صاحب لك زلة ... فكن أنت محتالاً لزلته عذرا
وقول الشريف الرضي:
يصول عليّ الجاهلون وأعتلي ... ويعجم في القائلون وأعرب
لساني حصاة يقرع الجهل بالحجى ... إذا نال مني العاضه المتأوب
ولا أعرف الفحشاء إلا بوصفها ... ولا انطق العوراء والقلب مغضب
وكأن احتواء الشعر على تلك الآداب النفسية من أسباب ضن العرب الشديدة به، وتسميتهم إياه ديوانهم، وأخذهم أبناءهم بحفظه. وكانت دراسة آثار أبطال العرب وأشرافهم تلك تقوم