في التربية العربية مقام دراسة أشعار هوميروس في التربية اليونانية القديمة، كل منهما تقدم للناشئ نماذج من الفضيلة وأمثلة من الشخصيات العظيمة يحاكيها ويتشبه بها، وهذا الباب من اكرم أبواب الشعر العربي واجمعه لخير ميزات الأدب العربي، ومن البلاغة والصراحة والإيجاز ونفاذ النظرة
على انه بجانب هذه النزعة الخلقية السامية المتخلفة عن أشراف الجاهلية، والتي رفعتها فضائل الإسلام درجات من الرقة والسمو ظهرت رويداً رويداً نزعة مضادة لها كانت ذات اثر في الأدب واضح وضوح نزعة التسامي تلك أو هو أوضح، وتلك هي نزعة الاستهتار والمجون والإباحة التي كانت نتيجة محتومة لاتساع الفتوح واختلاط العرب بأشتات الأجناس واستفحال الترف واتساع الثروة وتفاقم دواعي الشهوات؛ ثم انحطاط مكانة المرأة من جراء ذلك واختفائها من المجتمع. حتى ذاعت فيه الآداب الخشنة والألفاظ الفاحشة، بدل أن يتهذب مع الحضارة، ويتخلص من جفوة البداوة الجاهلية
وانعكس أثر كل هذا الفساد في الأدب العربي، فجاءت كتب الأدب محملة بالحكايات المخزية والعبارات النابية والإشارات المندية، وشبب الشعراء بالذكور، وتمدحوا بالتسلل إلى الخدور، وتفاخروا بالإسراف في الشراب والعكوف على سماع الألحان، وجاهر بعضهم بالزندقة وتهكموا بعقائد المجتمع الدينية، ووقع بعضهم في خصومهم بأفذع الهجاء وتهجموا على أعراضهم واتهموا حلائلهم. وفي أشعار جرير والفرزدق وبشار وأبي نواس والمتنبي وابن الرومي من ذلك الشيء الكثير
أوغل الشعراء في تلك الأبواب إيغالاً لا يكاد يصدقه العقل، ومن العجيب أن الطريقة التقليدية التي يجري عليها تاريخ الأدب العربي لا تزال تعد من فحول العربية شعراء لم يكد يؤثر عنهم مقال في سوى تلك الأغراض الحيوانية. ومن البديهي انه مهما تفنن الناظم في وصف الخمر وتصوير الشهوات، فلن يرفعه ذلك إلى مصاف الشعراء العظام. ودواوين ابن أبي ربيعة وبشار وحماد وأبي نواس وأمثالهم إن هي إلا استهتار وتمدح بالمخازي ومجاهرة بالفسوق محكمة الديباجة بارعة النظم؛ فإذا كان هؤلاء من فحول الأدب العربي فما أقصره عن بلوغ المثل الأعلى للأدب الراقي. ومن ايسر مجون أبي نواس قوله:
ألا فاسقني خمراً وقل لي: هي الخمر ... ولا تسقني سراً إذا أمكن الجهر