لقد سايرت الكائن الحي على معابره وأشواطه لأتعرف إلى عاداته، وعندما كانت الحياة صامتة نصبت أمامها مرآة بألف ضلع لأستنطق عينيها فكلمتي لحاظها.
في كل مكان عثرت فيه على حي، طرقت أذني كلمات الطاعة فما من حي يتعالى عن الخضوع، وعرفت أيضاً أن ليس من محكوم في الحياة سوى من لا قبل له بإطاعة نفسه. . . تلك هي عادة كل حي. .
وهذا ما سمعت أخيراً: إن تولي الحكم أصعب من الطاعة لأن الآمر يحمل أثقال جميع الخاضعين له وكثيراً ما ترهق هذه الأثقال كواهل الآمرين.
إن في أمر خطراً ومجاذفة، وكل مرة يصدر الحي فيها أمراً يقتحم خطراً.
وإذا ما تحكم الحي في ذاته فأنه يؤدي جزية لسلطانه إذ يصبح قاضياً ومنفذاً وضحية للشرائع التي يستنها.
وتساءلت عن علة هذه الأمور وعن القوة التي ترغم الحي على الانقياد والتحكم فتجعله خاضعاً حتى إذا حكم. ولعلي توصلت إلى سبر قلب الحياة إلى الصميم، فأصغوا إلى قولي أيها الحكماء
لقد تيقنت وجود إرادة القوة في كل حي ورأيت الخاضعين أنفسهم يطمحون إلى السيادة لأن في إرادة الخاضع مبدأ سيادة القوي على الضعيف، فإرادة الخاضع تطمح إلى السيادة أيضاً لتتحكم فيمن هو أضعف وتلك اللذة الوحيدة الباقية لها فلا تتخلى عنا.
وبما أن الأضعف يستسلم للأقوى والأقوى يتمتع بسيادته على هذا الأضعف فإن الأقوى يعرض نفسه للخطر في سبيل قوته فهو يجاذف بحياته مستهدفاً للأخطار.
أن إرادة القوة كامنة حتى في مجال التضحية والخدمة المتبادلة وبين نظرات العاشقين لذلك يتجه الأضعف إلى السبل الملتوية قاصداً اجتياز الحصن والتربع في قلب الأقوى مستولياً فيه على قوته
لقد أودعتني الحياة سرها قائلة: لقد تحتم علي أن أتفوق أبدا على ذاتي. وأنكم لتحسبون هذا الاندفاع إرادة إبداع أو غريزة تحفز بي إلى الهدف الأسمى والأبعد منالاً بعديد جهاته، في حين أن ليس هنالك إلا وجهة واحدة وسر واحد. وأنني لأفضل العدم على التحول عن هذه الوحدة.