للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هي صنعة المولى تَمَلَّكَ سِرَّها ... وأجادها وَوَعي دقيق حسابها

أبُنَيَّ أزْمَعْتَ النوى وتركتني ... أشْتَفُّ من كدر الحياة وصابها

أذكيت نار الحزن تلتهم الحشا ... وتذيب قلبي من سعير لهابها

تلك الدموع الحائرات بمقلتي ... هي مهجتي تنساب من أهدابها

أفلا رَحِمْتَ أباك من أدوائه ... حتى أضفت لها الفراق مشابهاً

ورَحِمْتَ أمك من لواعج ثكلها ... وغزير عبرتها وسود ثيابها

تبكي وتندب حظها وعِثَارهُ ... وَربيبَ مهجتها وصِنْوَ شبابها

وتود لو أنَّ الدموع شرابُها ... أو أن ماء البحر من تسْكابها

وتطوف حول القبر تلتمس الهدى ... فكأنما أوفتْ على محرابها

حَيْرَى مُحَسَّرةً تمثل حزنها ... فتكاد تلمسه على جلبابها

الخطب أرهقها وحَطَّمَ عودها ... ولرُبَّ عاقلةٍ مَضى بصوابها

قد كنت وَثّاب الذكاء مَحَّبباً ... وبرئت من طبَعِ الخصالِ وعابِها

قد كنت بهجة دارنا وسرورها ... فغدت بفيض الحزن من أَعتابها

قد كنت لي أملاً ألُوذُ بنوره ... في لجة الدنيا وشق عبابها

غدت الحياة ثقيلة أيامها ... ضَيْقٌ على رَغمي فسِيحُ رحابها

ما أضيع الآمال بعدك والمنى ... هي خُدْعَة الدنيا وكِذْبُ سَرَابها

حشدت لي الأيام حُرَّ نِصَالها ... ومضت تجُذُّ بحدها وذُبابها

وتتابعت نُوَبُ الزمان كأنما ... ألِفتْنيَ الأحداثُ في إغْبَابها

وأصاب هذا الدهر خير أحِبّةٍ ... سَلكتْهُمُ العلياءُ في أنْسَابها

كانوا ملاذ الفضل مُعتصمَ الحجا ... وبشاشة الدنيا وزَهْوَ خِضَابها

قد كنت أمرح بينهم في روضة ... والآن صرت لوحدتي ويَبابها

أَبني إن عظمت بفقدك نكبتي ... فرَجائيَ المولى عظيمُ ثوابها

ناداك ربك فاستجبت نداءه ... وصدَفْتَ عن دنيا الورى وكذابها

نم في جوار الله غير مُرَوَّع ... وانعم بجنته ورحب جنابها

وَارْتعْ هنالك بين رَيِّق مائها ... وبهيج سُنْدُسِها وفي أعْنابها

<<  <  ج:
ص:  >  >>